
في دارفور بالسودان : الطرقات مليئة بالجثث والناس يرددون الشهادة استعدادا للموت ..
- Europe and Arabs
- الاثنين , 1 أبريل 2024 14:35 م GMT
"حوصرنا داخل المنازل لأكثر من 57 يوما. استهدفت المليشيات الناس، بصورة ممنهجة، وكان القتل يحدث بناء على التصنيف القبلي. لم تستثن المليشيات النساء ولا الأطفال ولا الشيوخ". هذا ما روته لأخبار الأمم المتحدة لاجئة سودانية سنطلق عليها في هذا المقال اسم فاطمة عبد الله بناء على رغبتها حماية لسلامتها وخصوصيتها.
السيدة فاطمة من سكان مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور، صورت بموقع اخبار الامم المتحدة عبر حوار هاتفي ورسائل صوتية ومكتوبة مشهدا مأساويا لأيام من الرعب عاشتها هي وكثيرون من سكان المدينة عقب الحرب التي اندلعت في 15 نيسان/أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتسببت في مقتل الآلاف في مدينة الجنينة الواقعة أقصى غربي دارفور، وفقا لتقارير.
درست فاطمة عبد الله العلاقات العامة في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في العاصمة السودانية الخرطوم. وبعد تخرجها، انخرطت في العمل الصحفي، حيث عملت في قسم الإعلام في البعثة المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) لمدة عشر سنوات غطت خلالها الأحداث في دارفور.
مع اندلاع الحرب الأخيرة في السودان، انقلبت حياتها رأسا على عقب، فاضطرت إلى الفرار إلى مخيم أدري الواقع بالقرب من الحدود السودانية - التشادية، حيث تقيم حاليا مع أسرتها وآلاف اللاجئين الآخرين الذين أجبروا على ترك ديارهم.
تقول السيدة فاطمة إن هذه الحرب بدأت بمشاكل قبلية في منطقتي كرينك وسيسي ثم انتقلت إلى مخيم كريندينق الذي يؤوي نازحين بسبب الحرب التي اندلعت في دارفور قبل أكثر من عشرين عاما.
وأضافت "تحدث الحرب في الجنينة سنويا خلال شهر كانون الثاني/يناير وأحيانا خلال شهر رمضان، حيث تحدث عمليات قتل وتشريد ودمار مما يجبر الناس على النزوح من المخيم إلى داخل مدينة الجنينة، المسافة بين المخيم والمدينة ليست ببعيدة".
ولأن عمليات التشريد هذه تحدث بصورة متكررة، تقول فاطمة إن النازحين فضلوا اتخاذ المؤسسات الحكومية والمدارس مراكز للإيواء بدلا من العودة إلى المخيمات "ولم تتبق مؤسسة أو مدرسة في مدينة الجنينة إلا وسكنها النازحون".
سنويا، عندما تندلع الحرب، مثلما تقول فاطمة، تتعطل الحياة وتغلق الأسواق والمدارس والمؤسسات الحكومية. ثم بعد أن تتوقف، يباشر الناس حياتهم بصورة عادية، وتفتح الأسواق من جديد، ويعود الأطفال إلى المدارس. وتضيف: "عندما اندلعت الحرب الأخيرة في نيسان/أبريل، ظننا أنها ستكون بنفس المنوال وأنها ستنتهي قريبا. ولكننا، للأسف، اكتشفنا أن الحرب هذه المرة كانت مختلفة عن الحروب القبلية السابقة".
ثم تتابع فاطمة شرح ما حدث في مدينة الجنينة فتقول: "في حي الجمارك رأيت منظرا مختلفا. عندما اندلعت الحرب وجاء المسلحون، وبعضهم أجانب، أحاطوا المدينة من أربعة محاور. بوصفي صحفية، ذهبت إلى منطقة مرتفعة كي ألتقط صورا فوتوغرافية وكان الجيران كلهم يشاهدون عبر نوافذ المنازل. حيث كان أفراد المليشيات يصرخون ويقولون: 'يأجوج ومأجوج. نحن المفسدون في الأرض' ويطلقون رصاصا كثيفا".
وتضيف: "حوصرنا داخل المنازل واضطررنا إلى الاختباء تحت الأسرة، والذخائر الطائشة في كل مكان ويمكنك سماع صراخ الناس في الشوارع وتبادل النيران. استمرت الحرب لمدة 57 يوما في الأحياء الجنوبية لمدينة الجنينة. قضى المسلحون على أحياء الثورة والتضامن والجبل والجمارك والزهور. كانت عمليتا الاستهداف والتصفية تحدثان بصورة ممنهجة من بيت لآخر. كانوا يقتلون بلا استثناء ولم تترك النساء أو الأطفال أو الرجال أو الشباب. اعتلى القناصون أسطح المنازل وكانوا يستهدفون كل من يرونه. حدث موت بصورة لا يمكنني وصفها. جاء المسلحون بكميات كبيرة للغاية ثم قسموا أنفسهم إلى جزأين: جزء يقتل وجزء ينهب الممتلكات. لم يكن بعض المسلحين يتحدثون اللغة العربية وكانوا يهددونا بالقتل إذا لم نعطهم الذهب والنقود".
تقول فاطمة إن أناسا ملثمين اقتحموا منزلها وعن ذلك تقول: "دخل علي أناس ملثمون في منزلي وقال لي أحدهم- يبدو أنه كان يعرفني- أيتها الصحفية لقد كنت تكتبين التقارير في الماضي، ولكن هل يمكنك فعل ذلك الآن؟ أخذوا هاتفي وجهاز حاسوبي وكسروهما أمام عيني، ثم قالوا لي نحن نتابعك لحظة بلحظة وإذا فعلت أي شيء فستندمين على حياتك".
تقول فاطمة إن عدد القتلى في الجنينة يقدر بالآلاف، وتشير إلى تقارير أفادت بمقتل أكثر من 15 ألف شخص. تروي قصة شجرة في المدينة أسماها المسلحون بشجرة "الفطائس"، مشيرة إلى أنهم كانوا يُحضرون الناس إليها لإعدامهم رميا بالرصاص حتى تراكم عدد كبير من الجثث ولذلك سموها بـ "شجرة الفطائس"، استحقارا بالقتلى، حسبما تقول.
تقول فاطمة عبد الله إن الفارين من الجنينة تعرضوا إلى القتل في طريقهم إلى مخيمات اللاجئين في تشاد، وقد وصل عدد كبير من الأطفال غير المصحوبين بذويهم بسبب مقتل ذويهم في الطريق. وتقول فاطمة إن الجيش التشادي ساعد في نقل العديد من الفارين وبعض الجرحى من الجنينة إلى المخيمات ووفر لهم الماء والغذاء.
المعاناة كبيرة في المخيمات، حسبما تقول فاطمة، لكنها، في نهاية المطاف، "أخف من الحرب"، مشيرة إلى أن الناس يتغذون على أعلاف الحيوانات وتنقصهم أبسط أساسيات الحياة.
لا يوجد تعليقات