
الامن الغذائي في ظل الصراعات والاحوال الجوية القصوي .... إعداد د/عبدالمنعم صدقي استاذ بمركز البحوث الزراعية ـ مصر
- Europe and Arabs
- السبت , 25 نوفمبر 2023 11:1 ص GMT
لا تزال الصراعات وأوجه عدم الاستقرار السياسي تأتي على الأرواح وسُبل العيش في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يجبر الناس على ترك ديارهم والتخلي عن مزارعهم وقواربهم ومواشيهم، ويزج بهم في مستنقع الفقر المدقع والاعتماد الكامل على المساعدة الخارجية. ان اندلاع الحروب في اوكرانيا وفلسطين وانتشار الصراعات الأخرى والأحوال الجوية القصوى كموجات الجفاف والفيضانات، عوامل شديدة التاثير علي الامن الغذائي والذي يعني توافر الغذاء الملائم بطرق مقبولة اجتماعيًا وحصول كل الأفراد في كل الأوقات علي كميات الطعام الكافية لضمان حياةً نشطة وصحية. ان تزايد عدم اليقين الذي يحيط بأسواق الأغذية والزراعة العالمية تتسبّب في ارتفاع حاد في مستويات انعدام الأمن الغذائي وصولًا إلى مستويات قياسية جديدة. في نهايه عام 2023 واجه مايزيد عن مليون انسان خطر المجاعة الوشيك. وفي مختلف أنحاء العالم، يعاني 222 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد . يعاني القرن الأفريقي من جفاف غير مسبوق لم تشهده المنطقة منذ 40 عامًا ومن المتوقع أن يكون ما بين 23 و26 مليون انسان بحاجة ماسة للمساعدة الإنسانية
لقد ارتفعت تكلفة الأغذية بشكل مطرد منذ تفشي جائحة كوفيد-19، حيث وصلت أسعار السلع الغذائية لأعلى مستوى لها منذ عشر سنوات قبل أن تتسبّب الحرب في أوكرانيا وفي فلسطين بمزيد من الصدمات على النظام بأسره. تزداد أسعار الأغذية الأساسية على المستوى الدولي في الآونة الأخيرة ويترتب علي ذلك آثار جسيمة تطال القوة الشرائية وإمكانية الحصول على الأغذية للفئات الأفقر. لا يزال تضخم أسعار الغذاء المحلية مرتفعاً في مختلف أنحاء العالم. وحدث ارتفاع لمعدلات التضخم في جميع الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تقريباً حيث سجل مستويات نجاوزت 6% لقد ارتفع متوسط أسعار بنسبة 20٪، وأسعار الأرز أعلى بنسبة 9٪. وكانت أسعار الذرة أعلى بنسبة 29٪ عما كانت عليه في يناير 2021، وأسعار القمح أعلى بنسبة 15 وتعد دول أفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وأوروبا وآسيا الوسطى الاكثر تضرراً
في 17 نوفمبر 2022 أعلنت أوكرانيا والأمم المتحدة أن مبادرة حبوب البحر الأسود التي كان من المقرر أن تنتهي في 19 نوفمبر 2022، سيتم تمديدها لمدة 120 يوما. وعلى الرغم من أن الممر المحمي أتاح زيادة جزئية لشحنات الحبوب من أوكرانيا، فإن صادرات الحبوب لا تزال أقل بكثير من مستوياتها قبل الحرب. ونظرا لأن نقل الحبوب إلى الموانئ أصبح محفوفا بالتحديات اللوجستية وباهظ التكلفة، قام العديد من المزارعين الأوكرانيين بتقليص مساحة المحاصيل مثل القمح الذي قاموا بزرعه بعد بيع محصول العام الماضي بخسارة. وبالمثل، ساعدت مبادرة البحر الأسود على خفض الأسعار العالمية للقمح، لكن تكلفة المواد الغذائية الأساسية المعتمدة على القمح مثل الخبز والمكرونة ستظل مرتفعة بسبب ضعف العملات المحلية وارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما يؤثر على النقل والتعبئة.
من المتوقع أن تتباطأ وتيرة الزيادة في الأشهر المقبلة استجابة لارتفاع أسعار الغذاء العالمية وانخفاض قيمة العملات مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما من شأنه أن يحد من القوة الشرائية للدول المستوردة، ومن ثم يخفض كميات المواد الغذائية المستوردة. ويشكل ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية السبب الرئيسي للزيادة في فاتورة الواردات الغذائية العالمية، التي تمثلها الدول المرتفعة الدخل وعلى الرغم من أن الدول المرتفعة الدخل تقوم بمعظم فاتورة الواردات العالمية، فإن ارتفاع الأسعار يؤثر بدرجة أكبر على فئات الدول المعرضة للمعاناة اقتصاديا. وتتوقع دراسة لمنظمة التجارة العالمية ومنظمة الفاو أن يستمر نقص الأسمدة حتى نهاية عام 2023، مما سيحد من الإنتاج الزراعي ويزيد من انعدام الأمن الغذائي. وستكون هذه الآثار ضارة بشكل خاص بالدول المعتمدة على الواردات، وكثير منها في أفريقيا.
ففي أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا وفي فلسطين تصاعدت السياسات المتصلة بالتجارة التي تفرضها الدول. وقد تفاقمت أزمة الغذاء العالمية لعدة أسباب منها تزايد عدد القيود المفروضة على تجارة الغذاء التي تضعها الدول بهدف زيادة الإمدادات المحلية وخفض الأسعار. وقد تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أزمة عالمية تدفع ملايين آخرين إلى الفقر المدقع، مما يفاقم من أزمة الجوع وسوء التغذية و أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة بسبب التغيرات المناخية والصراع إلى توقف الانتعاش. وسيرتفع على الأرجح عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون إلى مساعدة عاجلة إلى 222 مليون شخص في 53 دولة وإقليما، هناك حاجة إلى إنفاق نحو بين 5 و7 مليارات دولار أخرى لمساعدة الأسر الأكثر احتياجا في 48 دولة هي الأكثر تضراً
روما - تسعى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) في عام 2023 إلى الحصول على 1.9 مليارات دولار أمريكي من أجل إنقاذ أرواح وسبل عيش بعضٍ من أشد الأشخاص معاناة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في الوقت الذي يستمر فيه انعدام الأمن الغذائي الحاد في التصاعد على مستوى العالم.
وقد صدر هذا الإعلان في إطار النداء الإنساني الأكبر للأمم المتحدة الذي وجّهه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية خلال حدث خاص أقيم بجنيف اليوم.
ومع توفر أقل من 4 في المائة من مبلغ 51.5 مليارات دولار أمريكي المطلوب في جميع النداءات من أجل عام 2023، يمكن للمنظمة أن توفّر مساعدة عاجلة في مجال سُبل العيش من أجل ضمان حصول 48 مليون شخص على إمدادات ثابتة من الأغذية المغذّية. ومن خلال توفير مساعدات نقدية، وبذور المحاصيل والخضروات، وعلف الماشية، وتنظيم حملات في مجال الصحة الحيوانية، وإدخال تحسينات على البنية التحتية الحيوية، مثل نظم الري والأسواق، يمكن للمنظمة ضمان قدرة الأسر والمجتمعات المحلية في المناطق الأبعد والأشد تتأثرًا بالصراعات على إطعام أفرادها وإرساء الأُسس اللازمة للصمود في وجه الصدمات المستقبلية.
وفي عام 2022، أدّى الدعم الطارئ الذي قدمته المنظمة للمجتمعات المحلية المتضررة من الجفاف في القرن الأفريقي إلى حماية أصول الثروة الحيوانية الحيوية، ما ضمن حصول 4.4 ملايين طفل على الحليب كل يوم، وأسفر كذلك عن إنتاج أكثر من 000 100 طن من الحبوب وتوفير مساعدات نقدية لأكثر من 1.5 ملايين شخص من أجل شراء الأغذية والحصول على الرعاية الصحية وغيرها من الضروريات.
وتُوجّه المنظمة تدخلاتها قبل كل شيء نحو تلبية احتياجات وأولويات المجتمعات المحلية المتضررة التي يتألف السواد الأعظم من أفرادها من المزارعين وصيادي الأسماك والرعاة والحرجيين – وهو ما يسمح لهم بالبقاء في منازلهم حيث يكون ذلك آمنًا، وتلبية احتياجاتهم الخاصة، وتولي زمام تعافيهم في المستقبل.
أسباب انعدام الأمن الغذائي
إن الأحوال الجوية القصوى، مثل موجات الجفاف والفيضانات، واندلاع الحرب في أوكرانيا وانتشار الصراعات الأخرى، وما يليها من تزايد عدم اليقين الذي يكتنف أسواق الأغذية والزراعة العالمية، تتسبّب في ارتفاع حاد في مستويات انعدام الأمن الغذائي وصولًا إلى مستويات قياسية جديدة. في بداية عام 2023 يواجه نحو مليون انسان خطر المجاعة الوشيك. وفي مختلف أنحاء العالم، يعاني 222 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعاني شخص واحد من كل خمسة أشخاص منهم للحصول على ما يكفي من الأغذية للبقاء على قيد الحياة.
وفي القرن الأفريقي وحده، الذي يعاني من جفاف غير مسبوق لم تشهده المنطقة منذ 40 عامًا، من المرتقب أن يكون ما بين 23 و26 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، ومن المنتظر أن يستمر تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد بحلول فبراير2023 بسبب الموسم السادس المتتالي من الجفاف المتوقع وغير المسبوق.
وقد ارتفعت تكلفة الأغذية بشكل مطرد منذ تفشي جائحة كوفيد-19، حيث وصلت أسعار السلع الغذائية الدولية بالفعل إلى أعلى مستوى لها منذ عشر سنوات قبل أن تتسبّب الحرب في أوكرانيا بمزيد من الصدمات على نطاق النظام بأسره. وفي حين أن أسعار الأغذية الأساسية على المستوى الدولي أخذت في الانخفاض في الآونة الأخيرة، لا تزال أسعار الاستهلاك مرتفعة مع ما يترتب عن ذلك من آثار جسيمة تطال القوة الشرائية وإمكانية الحصول على الأغذية بالنسبة إلى الفئات الأفقر.
ولا تزال الصراعات وأوجه عدم الاستقرار السياسي تأتي على الأرواح وسُبل العيش في مختلف أنحاء العالم، وهو ما يجبر الناس على ترك ديارهم والتخلي عن مزارعهم وقواربهم ومواشيهم، ويزج بهم في مستنقع الفقر المدقع والاعتماد الكامل على المساعدة الخارجية.
منظمة الأغذية والزراعة تعزّز استجابتها للأزمات وحالات الطوارئ
عززت المنظمة، طوال عام 2022، جهودها لمد يد العون إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة– إذ ساعدت 30 مليون شخص، مزوّدة إياهم بالدعم العاجل؛ وركّزت على سكان الريف وأولئك الذين تمثل الزراعة بالنسبة إليهم البقاء على قيد الحياة.
وفي أفغانستان وحدها، تتوقع المنظمة مساعدة 9 ملايين شخص بحلول نهاية العام – إذ يعاني حوالي نصف سكان الريف من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وسيستفيد حوالي 3.6 ملايين شخص من التوزيع الجاري للقمح الشتوي، والذي سيكتمل بحلول ديسمبر/كانون الأول.
وفي الصومال، تم تقديم أكثر من 24 مليون دولار كمساعدات نقدية، إلى جانب المساعدات الداعمة لسُبل العيش، للمجتمعات الريفية الأكثر تعرضًا للمجاعة، بينما تم توفير العلف والمياه والعلاج الصحي الأساسي لأكثر من 11 مليون من رؤوس الماشية.
وفي أوكرانيا، تكثّف المنظمة جهودها لحماية المحاصيل والاحتياطيات الغذائية الحالية والمقبلة، إلى جانب تقديم الدعم الزراعي الطارئ للمزارعين، مثل بذور البطاطا وبذور الخضروات والمساعدات النقدية. وقد أتاحت المنظمة قدرة هائلة لتخزين ما يصل إلى 6 ملايين طن من الحبوب (حوالي 30 في المائة من الاحتياجات الوطنية). وهذه المساعدة ضرورية للغاية من أجل ضمان تخزين الحبوب بشكل صحيح، وتمكين المزارعين من بيع الحبوب وتصديرها حينما يكون ذلك ملائمًا.
الزراعة في حالات الطوارئ لا تزال تعاني من نقص هائل في التمويل
تشكّل الزراعة استجابةً إنسانية أولية ويتعين النظر إليها على هذا النحو في جميع النداءات الإنسانية. وتحدث التدخلات الزراعية العاجلة، خاصة عندما تقترن بالمساعدات النقدية والغذائية، آثارًا هائلة بالنسبة إلى توافر الأغذية والتغذية والنزوح، ممّا يقلّل بشكل كبير من التكاليف الإنسانية الأخرى.
فعلى سبيل المثال، وبتكلفة قدرها 220 دولارًا أمريكيًا فقط، ستؤدي حزم القمح الشتوي التي يتم توزيعها في أفغانستان إلى تمكين أسرة من إنتاج ما يكفي من الأغذية لتلبية احتياجاتها السنوية من الحبوب وبيع ما يفيض عن حاجتها.
وفي عام 2022، تلقت المنظمة 43 في المائة فقط من الأموال المطلوبة في إطار خطط الاستجابة الإنسانية؛ ومع ذلك، فإن هذا يحجب اختلالًا هائلًا في التمويل، فقد تم تمويل النداءات الخاصة بأفغانستان بالكامل في حين أن النداءات الخاصة بنيجيريا والجمهورية العربية السورية تجاوزت بالكاد 10 في المائة من المتطلبات.
وقد كان حدث اليوم المقام في جنيف واحدًا من ثلاثة أحداث متتالية لتقديم اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي لعام 2023، وتلاه حدثان في أديس أبابا بالشراكة مع الاتحاد الأفريقي، وفي الرياض بالشراكة مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
التعليق على الصورة: مع توفر أقل من 4 في المائة من مبلغ 51.5 مليارات دولار أمريكي المطلوب في جميع النداءات من أجل عام 2023، يمكن للمنظمة أن توفّر مساعدة عاجلة في مجال سُبل العيش إلى 50 مليون شخص تقريبًا من أشد الأشخاص ضعفًا.
لا يوجد تعليقات