محمد حمدي يكتب :سنة أولى غُربة

أكثر ما يحتاج إليه الشخص في أولى أيام غربته عن الوطن هو الدعم المعنوي من زميل أو قريب مخلص سبقه في تجربته لأن من عاش ليس كمن سمع .

قبل ١٦ عاما وتحديدا في ١٤ أغسطس ٢٠٠٦ كان ختم المغادرة قد طبع على جواز سفري المصري في طريقي من الكويت إلى مطار دالاس في ولاية فيرجينيا الأمريكية وهو الميناء الجوي الدولي لواشنطن وضواحيها .

لم أكن ذاهبا في رحلة سياحية مع أسرتي إنما للعمل بعد أن قبلت عرضا قدم لي من مؤسسة إعلامية موجهة للشرق الأوسط ... كانت تلك بداية لمرحلة جديدة في حياتي عرفت بعدها حقيقة ما قاله الإمام الشافعي رحمة الله عليه : تغرب عن الأوطان في طلب العُلى .. وسافر ففي الأسفار خمس فوائد : تفريج هم ، واكتساب معيشة ، وعلم ، وآداب ، وصحبة ماجد. 

لكن لم يكد يمر عام ونصف إلا وأجد نفسي مكتئبا ، شعرت بالوحدة رغم أن أسرتي كانت معي وكل شيئ حوالينا جميل وهادئ والناس ودودة للغاية لكن العادات غير العادات والأكل غير الأكل والفسح غير الفسح ، حتى في تفصيلة صغيرة من الحياة العربية مثل المقهى الذي اعتدت أن أنزل إليه قرب المنزل مع الأصدقاء نتسامر ونتشارك هموم الغربة والوطن . 

 

صحيت فجأة في يوم من الأيام وأبلغت زوجتي أنني سأجري اتصالاتي بزملائي في الكويت للعودة إلى العمل هناك إذا كانت الفرصة متاحة أو سنعود لمصر ... وبالفعل شرعت في الاتصالات وكانت الفرصة أمامي هي العودة لمصر لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه  .. قبل أن نهم بتحضير أنفسنا للرحيل عن أمريكا نصحتنا اخصائية اجتماعية في المنطقة التعليمية التي نتبعها بالاستقرار في هذه الفترة من عمر ابننا لأن الاستقرار يساعد الطفل كثيرا في تكوين وعيه اللغوي وتنمية مهاراته بشكل جيد بينما الانتقال الكثير قد يكون له تبعات سلبية . أمام هذا الوضع لا يسع أي أب أو أم إلا اختيار مصلحة أبنائه ...وتمر الأيام والأشهر والسنوات ليصبح العام الأول عشر سنوات تقريبا مرت علي في أمريكا بحلوها ومرها وكلما أتذكر هذه الفترة الأولى أقول في نفسي ، ماذا لو تسرعت ورحلت عن أمريكا ؟ 
الأشهر الأولى أو العام الأول لأي مغترب هي الفترة الأصعب في غربته عن الوطن .. لا يعني ذلك أنه سيتخلص من عبء هذا الإحساس لكنه سيتواصل معه بدرجة أو بأخرى ..
@mhamdy_74

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات