محمد حمدي يكتب : في مكة والمدينة لأول مرة

 

 
كانت قدماي تسبقان جسدي، وكان قلبي يضطرب فرحا ، فأنا على وشك الوصول لأول مرة في حياتي إلى الكعبة المشرفة ، إلى أول بيت وضع للناس في الأرض ، إلى المسجد الحرام حيث أمرنا الله عز وجل أن نولي وجوهنا شطره  ... شتان بين أن تتعبد عن سمع وقراءة وعادات وتعليم ، وأن ترى بأم عينك ما تؤمن به واستقر في وجدانك . 

بل ربما ساورني الندم أنني لم أقم بذلك إلا في وقت متأخر .. لكنها مشاغل الحياة التي لا ولن تنتهي ونحاول أن نوهم أنفسنا أن الوقت لم يحن بعد ..

 اخترت هذا التوقيت بعد أسبوعين تقريبا من عيد الفطر حتى أحاول أن أؤدي مناسك العمرة بهدوء حيث انتابني خوف وقلق من ارتكاب خطأ أو الوقوع في أي محظور قد يفسد علي عمرتي الأولى ، ودفعني ذلك الخوف إلى تجاهل سؤال وجهته لي سيدة أمام بوابة الدخول إلى الكعبة بصوت عالي : انت مصري ؟ لم أرد أن يلهيني أي شيئ عن هذه اللحظات الخاصة بيني وبين ربي .

الزحام يحول بينك وبين الحجر الأسود لتكتفي بالإشارة والتكبير منعا للتدافع أو الحاق الأذى بالآخرين أو بنفسك ، وبعد الانتهاء من الطواف والخروج للسعي بين الصفا والمروة لابد من التحلل بحلق الرأس ، بعض الصالونات قريبة وأخرى بعيدة ينبغي السؤال حتى لا تسير مسافة طويلة ، وكلما كان فندق الإقامة قريبا كان ذلك أفضل لأن آثار التعب تظهر لاحقا والمعتمر بحاجة لكل طاقته لاستكمال رحلته الإيمانية في مكة أوعند زيارة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.

مكثت في مكة يومين قبل التوجه إلى المدينة ودفعني فضولي لاستكشاف بعض المعالم البارزة في السيرة النبوية العطرة مثل مسجد الجن القريب من المسجد الحرام حيث موقع نزول سورة الجن عندما استمع نفر منهم للرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن فآمنوا به . وبني المسجد في نفس الموقع . كما ذهبت إلى جبل النور حيث غار حراء الذي كان يتعبد فيه الرسول قبل النبوة ويا لها من مشقة كبيرة للصعود إلى قمة الجبل لم أستطع أن أنجزها واكتفيت بالوصول إلى مطلع الجبل بشق الأنفس بسبب الشمس الحارقة وضيق الوقت . وياللعجب أن غالبية زوار المكان من أبناء الجالية الآسيوية ، فلم أسمع لسانا عربيا في المكان إلا من السائق الذي أوصلني وآخر أقلني منه عائدا إلى مقر الإقامة .

بعد ختام زيارة مكة كان التوجه إلى المدينة المنورة ... ولابد من الإشادة بقطار الحرمين في سهولة الانتقال من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى المطار ... وبالتطبيقات الهاتفية التي تسهل الحجوزات المختلفة .

في المدينة كانت هناك راحة وسكينة عجيبة غمرت النفس ،  في الطريق من المطار إلى الفندق رأيت جبل أحُد وبجواره جبل الرماة  حيث أشار لي السائق ولمحت على قمته من بعيد بعض الزائرين .

لم ينغص علي سوى أحدهم وأنا في المسجد النبوي قبل دقائق من آذان المغرب عندما ألقى علي السلام وتبعاته بأسئلة من عينة انت منين في مصر ؟ ويعرفني عن فصله وأصله كأنه على وشك التقدم لطلب يد عروسة .. حمدت الله أن الآذان رفع للصلاة وهرولت بعدها إلى الروضة الشريفة للصلاة ثم السلام على الرسول المصطفى وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .

استمتعت في المدينة كثيرا وكنت حزينا لمغادرتها لكنني عزمت النية على العودة في أقرب فرصة ... فلا ينبغي أن يحرم الإنسان نفسه من لذة روحانية وسط مشاغل الحياة الدنيوية الزائلة.

موقف طريف اختتمت به رحلتي في مطار جدة عندما ساعدت سيدة مصرية للتوجه إلى صالة السفر الخاصة برحلتها المتجهة إلى القاهرة بينما كنت متجها إلى الدوحة ، وفي الطريق سألتني على سجيتها ، هو فيه هنا مطعم بيعمل فراخ كويسة ؟ الولاد وصوني اشتري منه قال ايه عايزين يجربوه لأنه مشهور أوي بس داهية يطلع غالي . ضحكت وقلت لها اسمه مطعم البيك بس دي فراخ مقلية والسفر طويل ؟ وبيني وبينك يا حاجة كنتاكي في مصر أحسن . همهمت في سرها خلاص ولاد الكلب ياكلوا كنتاكي .. ضحكت وانصرف كل منا إلى وجهته ...
 

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات