البلاستيك يدمر كوكبنا ... إعداد د/ عبدالمنعم صدقي استاذ بمركز البحوث ـ مصر

بمناسبة اليوم العالمي للبيئة في 5 يونيو والذي تم تدشينه في عام 1972 بصفته مناسبة عالمية يجب ان يكون منبراً للتوعية العامة للحفاظ علي البيئة مع توجية دعوة للعالم للعمل معاً لمواجهة اكبر تحدياً للبيئة في عصرنا ولرفع الوعي العالمي نحو الحد عبء التلوث البلاستيكي على صحة الانسان ومواجهة ما يحدثة من تهديدٍ للبيئة وحياة  الكائنات.  لم يكن يدور في تصور ألكسندر باركس أول من  اخترع مادة البلاستيك عام 1855 مخترع – والذي اعتبر ثورة في عالم الصناعة وقتها – أن يكون سببا في هلاك كوكب الارض ومساهما أساسيا في تلوثه
 إجمالي البلاستيك الذي أُنتج منذ بدء تصنيعه بلغ نحو 11 مليار طن تقريباُ ولم يتم تدوير سوي 10% منها والباقي اما تم دفنه او في قاع البحار  والمحيطات او علي اليابسة. ان تحلل زجاجة واحدة من البلاستيك يستغرق فترة زمنية قد تصل إلى 400 سنة لان تحلل البلاستيك يتم تحت عمليات التحلل غير الحيوي الذي يستغرق زمنا طويلا. الكمية الضخمة للنفايات البلاستيكية نتاج للحياة العصرية التي يتم استخدام  البلاستيك فيها بمنتجات تستعمل مرة واحدة  كزجاجات الشرب التي يستهلك العالم منه 2 مليون زجاجة كل دقيقة  وانتجت شركة كوكا كولا 110 مليار من تلك الزجاجات. لا يمكن تجاهل الآثار الإيكولوجية السلبية والأضرار الصحية الناجمة عنه. العالم في أمس الحاجة لخفض إنتاج البلاستيك والإفراط في استعماله  حيث يظل موجوداً في البيئة لفترة طويلة إذ أنه لا يتحلل حيوياً ولكن يتكسر إلى أجزاء نانويه و ينتهي بما لا يقل عن 8 ملايين طن من البلاستيك سنوياً في المحيطات أي ما يوازي شاحنة ممتلئة بالمخلفات في كل دقيقة. 
جسيمات الميكروبلاستيك
المايكروالبلاستيك كل الجزئيات البلاستيكية بحجم أقل من 5 مم و ينشأ فى البيئة البحرية نتيجة تحلل مخلفات البلاستيك الكبيرة نتيجة لعوامل التعرية كحركة الرياح والأمواج ولتأثير الأشعة فوق البنفسجية أو أنها تنفذ للبيئة البحرية مباشرة من المصادر الأولية من فتحات المجارى و الصرف حيث إنها تستخدم فى المستحضرات الطبية ومستحضرات التجميل ومساحيق الغسيل والطلاء وغيرها. وتوجد حبيبات البلاستيك المتناهي الصغر كألياف الملابس كما يحدث تحلل لبعض النفايات البلاستيكية ضوئياً لوجود الأشعة فوق البنفسجية في ضوء الشمس الذي يصل للأرض وتوفر الأشعة البنفسجية الطاقة اللازمة لذرات الأكسجين وتندمج مع بوليمير البلاستيك مما يؤدي لاضعافة ويجعله هشاً متحولا لقطع صغيرة نانويه الحجم . 
يمكن أن تكون جزيئات البلاستيك الدقيقة بحجم الميكرو والنانو لدرجة يتعذر الكشف لصعوبة رصدها بالتحليل المتاحة كما ان الكشف عن البلاستيك النانوي ما زال محدودا لأن تركيزه منخفض وحجم جزيئاته صغير لقد اوضحت دراسة أجرتها جامعة نيوكاسل الأسترالية عام 2019 ان البلاستيك ينتقل من البيئة إلى الطعام بمعدل 5 جرامات من خلال استهلاك المياه المعبأة والاسماك والملح كما ان جزيئات البلاستيك النانوية قد تخترق الخلايا وتغير الميكروبيوم المعوي مما قد تكون له آثار على جهاز الغدد الصماء والجهاز المناعي والجهاز العصبي. وفي عام 2018 اشارت بعض الابحاث بجامعة كينجز كوليدج إلى امكانية مرور المواد البلاستيكية الدقيقة من مجرى الهواء أو الأمعاء إلى الدم وإلى اعضاء الجسم المختلفة مسببا حدوث مشاكل صحية
أضرار البلاستيك على الانسان
لقد تم اكتشاف العديد من الاثار السلبية للمنتجات البلاستيكية التي تهدد صحة الإنسان خاصةً المواد المستعملة في صناعة أوعية الأطعمة فعند تعرضها لدرجة حرارة عالية كتسخينها في الميكرويف يمكن أن تتسرب هذه المواد الكيميائية الى الطعام وتنقله الى الإنسان. كما أنّ هناك العديد من أضرار المواد الكيميائية التي تدخل في تصنيع العبوات والأكياس البلاستيكية على صحة الإنسان ومنها خطر الإصابة ببعض السرطانات و زيادة مقاومة الأنسولين وهو أمر يرتبط بمرضى السكري وزيادة نسبة تخزين الدهون في الجسم.
اوضحت بعض الدراسات إن البلاستيك الموجود في الأمعاء يمكن أن يؤثر على الاستجابة المناعية للجهاز الهضمي أو يساعد في نقل المواد الكيميائية ومسببات الأمراض مما يكون له آثار على المرضى الذين يعانون من أمراض الجهاز الهضمي.
لقد تم اكتشاف 12 قطعة بلاستيكية في أربع مشيمات تم التبرع بها بعد الولادة. وكانت هذه القطع من مادة البولي بروبيلين بينما ظهرت القطع الأخرى على أنها جزيئات بلاستيكية من الطلاءات والدهانات والمواد اللاصقة ومستحضرات التجميل 
اصدرت الجمعية الملكية تقريراً عام 2019 اوضح تاثير اللدائن الدقيقة على القناة الهضمية الإنسان حيث يمكن أن تعطل الميكروبيوم وتسبب أضراراً بخلايا الأمعاء وربما تزيد من خطر الإصابة بالسرطان واوضح امكانية تداخل البيسفينول A الموجود في البطانات البلاستيكية لعلب الصفيح مع الهرمونات وقد تم ربطه بأمراض عدة بما في ذلك انخفاض الخصوبة ومشاكل نمو الدماغ والعظام والسرطان وهناك مخاوف من أن اللدائن الدقيقة ربما تحمل مواد كيميائية سامة أخرى إلى الجسم لانه بوجودها في الماء تعمل كمغناطيس للمبيدات الحشرية والمواد السامة الأخرى وتصبح مغلفة بها
اضرار المخلفات البلاستيكية على البيئة البحرية
تبتلع الأسماك والكائنات البحرية قطع البلاستيك الصغيرة وتتراكم في بطونها وتم اكتشاف قطع بلاستيكية في الأسماك والروبيان وبلح البحر والمحار وحتى الطيور البحرية و تنفق الآلاف من الحيوانات البحرية نتيجة تناولها للبلاستيك  اوضحت احدي الدراسات ان الأسماك في شمال المحيط الهادئ تبتلع نحو 12 – 24 الف طن بلاستيك سنويا مسببه مشاكل بجهازها الهضمي تنتهي بالنفوق وفي دراسة اخري وجد ان 25% من الأسماك في أسواق ولاية كاليفورنيا تحتوي على بلاستيك في جهازها الهضمي كما ان 50% من السلاحف البحرية علي مستوي العالم ابتلعت البلاستيك وتأثرت بسببه. نحو 60% من كافة أنواع الطيور البحرية ابتلعت بلاستيك وبحلول عام 2050 سترتفع النسبة إلى 99% . ان معظم المخلفات البلاستيكية غير قابلة للتحلل ولها القدرة على الثبات  وقد تلتهمها 

 الكبيرة مسببة اختناقها ونفوقها كما ان اهمال بعض شباك الصيد التي تُترك في البحر تتعرض لها الطيور وتنفق فيها أو أنها تعيق حركة الكائنات البحرية و الأسماك مما يسبب نفوقها أضرار البلاستيك على الثدييات

 

تبتلع الثديات البحرية البلاستيك وتتشابك فيه وتم العثور على حيتان ودلافين من أكثر من نوع وغيرها. في دراسة استغرفت ثماني سنوات اشارت الي أن نحو 388 حيوان فقمة عالقة في بقايا أكياس بلاستيكية في  مناطق مختلفة. تتغذى الحيتان عن طريق الشفط فتسحب كمية كبيرة من مياه المحيط و تستخلص المواد المغذية منها والمشكلة تحدث حين يسحب الحوت كمية المياه بها مخلفات بلاستيكية ولا يستطيع التخلص منها بطريقة طبيعية وتتراكم الجهازه الهضمي مسببة انسداده بصورة تمنع امتصاص الطعام فينفق من الجوع .
اثر المخلفات البلاستيكية على غازات الدفيئة
حرق مخلفات البلاستيك للتخلص منهوتسهم تساهم في انبعاث الغازات الدفيئة للغلاف الجوي حيث تؤدي عملية حرق أكياس البلاستيك إلى تلويث الهواء بالغازات والأبخرة السامّة والضارّة بصحة الإنسان مثل الفورمالدهيد CH2O والبنزالدهيد C6H5CHO وسيانيد الهيدروجين HCN والأمونيا NH3 وأول أوكسيد الكربون CO وأكاسيد النيتروجين NO2 –N2O – N2O3 – N2O4 وبعض المركبات الهيدروكربونية الطيارة VOCs وغيرها وتتسبب هذه المواد في حدوث اضطرابات وأمراض مختلفة كالحساسية وأمراض الجهاز التنفسي والجهاز العصبي والجهاز الهضمي وأمراض القلب والكبد والكلي وغيرها من الأمراض. وبالتوازي تقوم العوالق بحبس 30-50٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الأنشطة البشرية ولكن بعد أن تمتص اللدائن الدقيقة تتناقص قدرة العوالق على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

 

إجراءات خفض إنتاج البلاستيك
لسلامة كوكب الارض من الضروري التخفيض الفوري في إنتاج البلاستيك واستهلاكه والتحول لبدائل امنه عبر سلسلة القيمة بأكملها. حيث ان آثار النفايات البلاستيكية التي تتم إدارتها بشكل سيء .
•    تقليل استخدام المنتجات البلاستيكية في التداول والتغليف للمواد الغذائية مما يؤدي لانخفاض الطلب على البولي إيثيلين والبولي بروبيلين.
•    تطبيق برامج توعية لخفض استعمال أكياس البلاستيك بالمشاريع التثقيفية واسعة النطاق. لتعزيز الوعي من خلال حملات التوعية في وسائل الإعلام المختلفة بعدم القاء المخلفات في البحر من قبل الصيادين ومرتادي البحر وحثهم على جمع المخلفات والتخلص منها بعد وصولهم إلى البر.
•    فرض ضريبة plas tax على الاكياس حيث يدفع المستهلك ضريبة عن كل كيس يستخدمة وتحويل اموال الضريبة لصندوق خاص اثار التلوث بالاكياس 
•    يجب إعادة تدوير أكياس البلاستيك اللينة التي تستخدم في الأسواق التجارية وفق المعايير التي تضمن تقليل انبعاثاتها
•    اتباع استراتيجية للوقاية من النفايات تتمثل في خفض نسبة القمامة البلاستيكية بالفرز من المنبع
•    الترويج للمنتجات البديلة مثل منتجات الخيزران والخشب والمنتجات الورقية ومنتجات البلاستيك القابل للتحلل بالأكسد وضرورة استخدام بدائل للبلاستيك صديقة للبيئة مهما كانت تكلفتها ووزنها وتجنب استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد مثل ماصات الشرب 
•    منع استخدام أكياس التسوق التي يقل سمكها عن 0.025 ملليمتر المصنوعة من البولي إيثيلين عالي الكثافة 
•    معاقبة المخالفين للقوانين والأنظمة المتعلقة بحماية البرية و البحرية 
•    إجراء الدراسات لمعرفة تأثير المخلفات الصلبة على الأنظمة البيئية والحياة الفطرية البحرية. 
•    تنفيذ حملات لتنظيف قاع البحر من المخلفات الصلبة الثقيلة والكبيرة وقد قامت عدة محافظات بمصر والعديد من الجمعيات الأهلية بحملات لتنظيف الشواطىء من المخلفات البلاستيكية. وربما أشهرها هو فرض الحظر على استخدام البلاستيك فى محافظة البحر الأحمر 
•    انشاء عوائم بحرية صناعية في مناطق الغوص وصيد الأسماك حتى لا يتم كسر الشعاب المرجانية بسبب مراسي القوارب والسفن . 
لقد اصبح العالم مهدداً  من اثار المخلفات البلاستيكة وعلي الجميع العمل معا من اجل سلامة الكوكب  باتباع نهج اقتصاد دائري مستهدف ومبتكر إذ يبدأ في مرحلة تصميم المنتج واختيار المواد الخام بهدف تطوير منتجات مُحسَّنة لإعادة الاستخدام وخلق “موارد متجددة” وتقليل الحاجة إلى التخلص النهائي من النفايات وتعدين المواد البكر 

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات