ماذا عن وجبتك البلاستيكية اليوم؟ ... إعداد عبدالمنعم صدقي استاذ بمركز البحوث الزراعية ـ مصر

يتناول الإنسان نحو 5 جرام من البلاستيك اسبوعيا من خلال  السلاسل الغذائية نتيجة هجرة المكونات البلاستيكية من الاكياس والاطباق واغلفة الاغذية  او من الاسماك التي تناولت جسيمات بلاستيكية ومن لحوم الحيوانات التي دخلت الجسيمات البلاستيكية. ان باكت الشاي يطلق نحو 11 مليون جسيم بلاستيكي في كوب الشاي. لقد تم اكتشاف تلوث الغذاء بالمواد البلاستيكية عام  1970 وأول مادة تم الكشف عنها كانت عديد كلوريد الفينيل المعروف بــ (PVC) وهي مصنفة المواد المسببة لمرض السرطان و توالت الأبحاث حول تلوث الغذاء ببعض المكونات البلاستيكية المغلفة للمنتجات الغذائية وتم اطلاق مصطلح (الهجرة) و يقصد به الانتقال المجهري للمكونات الداخلية المختلفة لمادة التغليف البلاستيكية إلى الغذاء ومن أهم المواد المهاجرة من مواد التغليف البلاستيكية إلى المنتجات الغذائية هي:ـ الستايرين و المثبتات الحرارية و الملدنات و كلوريد الفينيل وراتنجات الإيبوكسي و الإيسوسيانيت والكابرولاكتام
كما يمكن لبعض الشوائب أن تهاجر للأغذية بسبب تفكك وتحلل بعض المواد المضافة والمونوميرات والمواد الطيارة كالبنزين، والملوثات البيئية مثل النفتالين. أن اختيار مادة معينة لتغليف وحفظ الغذاء يتطلب تنظيمات تشريعية  واعتبارات علمية لتحديد  مواصفات المادة الخام (الأساس) التي تصنع منها مواد التغليف البلاستيكية مثل كمية المادة الأساس المتبقية في مادة التغليف البلاستيكية والإضافات و تحديد المستوى المسموح به لهجرة المواد الضارة من مادة التغليف البلاستيكية للغذاء ووضع مواصفات للاختبارات التي يجب إجراؤها على الأطعمة المغلفة بالمواد البلاستيكية ومنها استخلاص قصير المدى تحت ظروف مختلفة من الزمن ودرجة الحرارة ونوع المادة المذيبة في الطعام كالزيوت وغيرها ولا بد من موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA. حيث تقوم تلك الإدارة بوضع وسائل السلامة الابتدائية للتعامل مع مواد التعبئة والتغليف البلاستيكية. وعند الاشتباه بأن المادة البلاستيكية المغلفة للغذاء يمكن أن يحدث لها أو لأحد مكوناتها هجرة للغذاء فإنها تخضع للاختبارات اللازمة لدراسة السمية، ومن ثم وضع مقاييس السلامة الخاصة بها أو رفضها في حالة كونها شديدة السمية. لذلك يجب تحديد نقاوة المادة البلاستيكية المراد استخدامها لأغراض التغليف للمواد الغذائية
أثبتت دراسات عديدة إمكانية انتقال بعض أجزاء المادة البلاستيكية للمادة الغذائية المحتوية عليها عند تفكك بعض أجزائها كالإضافات،  وينشأ هذا الانتقال عن وجود بعض من المادة الأساس الداخلة في تصنيع المادة البلاستيكية والتي لم تتحول بصورة تامة أو قد تتفكك بعض الإضافات عند تصنيع مادة عديد الستايرين، يتبقى جزء من المادة الأساس، أي الستايرين، في المادة النهائية البلاستيكية مما يشكل خطورة في احتمال هجرة الستايرين للغذاء حيث يذوب جيداً في بعض الأوساط الغذائية كالزيوت كمثال عند تناول القهوة مع المادة المبيضة في أكواب عديد الستايرين الرغوية فإن البيئة مناسبة جداً لذوبان مادة الستايرين في القهوة.
 درجة الحرارة تعد من أهم العوامل التي تساعد على انتقال أو هجرة مكونات مادة التعبئة والتغليف البلاستيكية إلى الغذاء لذا يجب الحذر  من خطورة التعامل مع المواد البلاستيكية لنقل وحفظ الأطعمة بمختلف أشكالها عند ارتفاع درجة حرارتها كوضع الطعام في الحاوية البلاستيكية سواءً كانت كيساً أو طبقاً مما يزيد من هجرة مكونات المادة البلاستيكية إلى الطعام نظراً للارتفاع الشديد لدرجة حرارة الطعام أثناء وضعه في الحاوية البلاستيكية. ومن السلوكيات الضارة استخدام الحاويات والقنينات البلاستيكية مسبقة الاستعمال لحفظ مختلف الأطعمة دون معرفة نوع المادة البلاستيكية فعند وضع مادة دهنية كزيت الطعام أو زيت الزيتون في حاوية مصنوعة من عديد الستايرين فإن ذلك يشكل خطورة على الطعام حيث أن عديد الستايرين لا يصلح لتعبئة وحفظ الأطعمة الدهنية. 
تمرّ هجرة مكونات المادة البلاستيكية إلى الغذاء بثلاث مراحل: ـالأولى:الانتشار في حدود الشبكة الداخلية للمادة البلاستيكية والثانية: ذوبان مكونات المادة البلاستيكية عند السطح البيني بين المادة البلاستيكية والغذاء والثالثة:    انتشار مكونات المادة البلاستيكية داخل المادة الغذائية و تسهم العوامل البيئية أو الممارسات الخاطئة بزيادة معدل الهجرة  كدرجة الحرارة حيث يعمد الكثير من الناس عند شراء الاغذية الساخنة من المطاعم والمخابز وغيرها لوضعها في حاويات بلاستيكية التي قد تكون كيس او غلبة أو غير ذلك ممايؤديلزيادة معدل هجرة المكونات البلاستيكية إلى المنتج الغذائي. من الخطأ وضع الخبز الساخن بكافة أنواعه في كيس بلاستيكي او وضع  طعام ساخن في طبق عديد الستايرين الأبيض إنما يجب وضع الخبز في كيس ورقي أو الانتظار حتى يبرد و الأطعمة الساخنة كالشوربة يجب وضعها في حافظة طعام مصنوعة من المعدن أو الزجاج وبذلك يجب الحذر عند تغليف أو تعبئة المواد الغذائية بالمواد البلاستيكية  بالابتعاد عن الدمج بين الغذاء الساخن والبلاستيك.
رباعي كلورو اثيلين وكلوريد المثيلين والكلورفورم ذات فعالية مسرطنة للإنسان وقد تلوث هذه المواد الكيماوية الأغذية المعبأة فيها أو تتفاعل مع غيرها من المواد المضافة المستعملة في صناعة العبوات البلاستيكية. ان تعرض الإنسان لأشكال مختلفة من مركب عديد الستايرين يسبب الإصابته ببعض أنواع الأورام الخبيثة كما ان هذا المركب له تأثيرات مسببه للتطفر في الخلايا ومسمم للجنين كما يوجد في لبن الزبادي والزبد والجبن الأبيض والحليب المجنس والعسل المحفوظة داخل عبوات مصنوعة من بلاستيك عديد الستايرين وجميع عبوات عديد الستايرين المحفوظ فيها الأغذية  
تستخدم ربات البيوت الغلاف الرقيق الشفاف المسمى ( الاسترتش )في تغليف بعض الأغذية قبل حفظها في الثلاجة وهو مصنوع من عديد كلور الفينايل أو عديد فينسيلدين مع مواد كيماوية تكسبه مرونته المميزة وهي الملدنات مثل المركب المعروفه بـ  أستيايل ثنائي بيوريل سترات وتتسرب هذه المركبات المضافة إلى البوليمر المستخدم في صناعته إلى الأغذية التي تلاصقه خاصة عند احتوائه على الدهون كالجبن والزبد التي قد تذوب الملدنات فيها, وأدى حصول فئران التجارب على جرعات كبيرة منها لإصابتها بالسرطان وينصح عدم استخدام البلاستيك اللاصق في تغليف الأغذية المراد تسخينها داخل أفران الموجات القصيرة (الميكرو ويف).

 

أطلقت مؤسسة «بلاستيك سوب» ومؤسسة «نورث سي» في أغسطس 2012 حملة ضد استخدام الميكروبيديات وهي الأجزاء النانونية من البلاستيك المستخدمة  في منتجات العناية الشخصية  كمستحضرات تقشير البشرة وطلاء الأظافر  ومعجون الأسنان، وأحمر الشفاه، حيث وقفت في مواجهة مئات العلامات التجارية الكبري التي تضيف جزيئات بلاستيك للمستحضرات لتحسين خصائص معينة كالملمس الناعم والتي لاتوفرها المستحضرات الطبيعية. وقد اعترفت بعض هذه الشركات بخطورة تلك الاضافات وتبنت هذا التغيير وتم إطلاق تطبيقات على الهواتف المحمولة لمساعدة المستهلكين على معرفة محتويات المنتج تجنبًا لاستخدام مكونات البلاستيك وبعد انطلاق الحملة أصبحت شركة يونيليفر أول شركة تطوعت بالتخلص من الميكروبيدات في منتجاتها كما تم تفعيل قانون فيدرالي في أمريكا يحظر إنتاج وبيع تلك المنتجات الخطرة
اصدرت الجمعية الملكية تقرير عام 2019 اوضح تاثير اللدائن الدقيقة على القناة الهضمية الإنسان حيث يمكن أن تعطل الميكروبيوم وتسبب أضراراً بخلايا الأمعاء وربما تزيد من خطر الإصابة بالسرطان واوضح امكانية تداخل البيسفينول A الموجود في البطانات البلاستيكية لعلب الصفيح مع الهرمونات وقد تم ربطه بأمراض عدة بما في ذلك انخفاض الخصوبة ومشاكل نمو الدماغ والعظام والسرطان وهناك مخاوف من أن اللدائن الدقيقة ربما تحمل مواد كيميائية سامة أخرى إلى الجسم لانه بوجودها في الماء تعمل كمغناطيس للمبيدات الحشرية والمواد السامة الأخرى وتصبح مغلفة بها.
علي جميع الأطراف إدراك مدى خطورة التلوث البلاستيكي واستخدام البدائل الاكثر استدامة. ان  المحافظة على البيئة إحدى الضروريات التي يجب على سكان الأرض الالتزام بها  والعمل بصورة دائمة لأجل المحافظة عليها. الانسان ليس وكيلا جيداً للأرض على مدار السنين ويجب العمل بخطوات استباقية  لتحقيق عادات معيشية أنظف لحماية البيئة وكوكب الأرض للأجيال القادمة

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات