
يا ابن كازامانس أنت أغلى من الماس! بقلم/ المفكر الإسلامي الأستاذ محمد غالاي انجاي –مدير معهد المحراب ببروكسل
- Europe and Arabs
- الأربعاء , 2 أغسطس 2023 10:35 ص GMT
يا ابن كازامانس، أنت أغلى من الماس!
أكاد أؤمن بأن للسياسة في أفريقيا أصنافا من الناس وليس لأفذاذ الأبطال فيها سياسة! أحلام ترتسم ثم تذهب أدراج الرياح وآمال طموحة تهوي إلى الحضيض، أليس ذلك نحسا حل بأبنائها أم هو وباء وبيل أصيبوا به أم أنَّ لحظة اليقظة التاريخية والحضارية لم تحن بعدُ؟ أمام كل هذه التساؤلات وغيرها يقف العقل الأفريقي حيرانا تائها غير قادر على الترجيح وموازنة الأمور كما يجب أن تكون. مهما يكن من أمر فليعلم كل أنصار الزعيم سونكو أن الحرب لم نخسرها بعد، بل خسرنا جزئا منها فقط، فنحن اليوم أقرب إلى كسبها أكثر من ذي قبل، فلننتبه ولنرجع إلى استلهام خطابات الزعيم المؤسس فيما يمكن أن يحل بالحزب وأنصاره من بلية وامتحان. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ). [الشعراء: 227]. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). [القرة: 214]. لذلك، الأمر في هذه اللحظة الحرجة والعصيبة لا يحتاج إلى التعبير عن اليأس والإحباط وإبراز الروح الانهزامية، بل يحتاج إلى عقول مفكرة ومدبرة وتنسيق جيد لا سيما مع الجالية السنغالية في الخارج التي تعتبر أكبر سند للحزب. فلهذه المقاومة مراحل تختلف وتتنوع وفق مقتضيات الوقت من تبدل الأحوال والمواقف. لا داعي إذن للقلق والتراخي، قريبا ستأتي لا محالة لحظة النصر والغلبة لأن "الشعوب أقوى من الحكومات" كما نص على ذلك صاحب الفيضة الشيخ إبراهيم انياس الكولخي.
فليس من شك أن الزعيم عثمان سونكو رئيس حزب باستيف قد أدى الواجب الوطني على أحسن حال، ولعب دوره التاريخي على أكمل وجه، وترك لمن خلفه أروع الأمثلة في البطولة والشجاعة ورباطة الجأش والحنكة السياسية أمام أكبر طاغية عرفتها دولة السنغال على مدى تاريخها الحديث. واليوم، بعد كل هذه الرحلة الأليمة من أجل التحرر التي كابد ويلاتها الزعيم عثمان سونكو وأنصاره، يمكن لي أن أؤكد بكل أريحية أنه، أي سونكو لم تبق قي ذمته أية حقوق أو مسؤولية تُؤدى تجاه الشعب السنغالي والتاريخ! فقد نجح ببراعة ولباقة في تسجيل اسمه بماء من ذهب على لوحات التاريخ. في الواقع، إن سونكو هو الزعيم الفريد في التاريخ السياسي الحديث الذي عانى وكابد وكدح وضحى في الميدان السياسي بأغلى وأثمن ما عنده – وهو شرفه وروحه وحياته – أكثر من كل معارض سياسي قبله! ومن هنا ندرك أن على عاتق الشعب السنغالي دَينًا لم يُسدد بعدُ، ولا بد من تسديده، عسى أن يكون قريبا. (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). [القرة: 214]. لقد كان الهاجس التأسيسي في كل خطابات الزعيم وتصرفاته يكمن في إرادته القوية لإسعاد بني جلدته وتحرير وطنهم من ربقة الغرب الرأسمالي الإمبريالي. وتأسيسا عليه، يمكن لنا أن نفهم بكل سهولة ويسر لِمَ كان الزعيم عثمان سونكو منذ أن وطأت قدماه ميدان السياسة يُشكِّل خطرا كبيرا، بل سُمًّا قاتلا للسيستم وأهله؟ غير خاف أن رفضه الكلي الدخولَ في كهوف السيستم الحالكة والتأقلم مع فضائها والتعامل مع أهلها بالغدر والكيد والدهاء السياسي أدّى بكل تأكيد إلى نشوء تآمر كبير وفادح ضده، نسجته عناكب أهل السيستم، وهم في الحقيقة كتلة صغيرة فاسدة ومفسدة من الشعب لم تزل ولا تزال تتحكم في البلاد والعباد، وذلك منذ حصول السنغال على استقلالها المزعوم إلى وقتيتنا الراهنة. والسيستم – كما ألمحنا في مقالات سابقة – لا يتكون من فئة متجانسة من السياسيين فحسب، بل يندرج تحته بعض رجال الدين المؤثرين، والإعلام المضلل، وبعض رجال الأعمال، ... الخ. لذلك يصعب جدا تقويض دعائم هذا السيستم وانتكاسه لما يحتاج من وجود شعب له إرادة قوية في التغيير مهما يمكن أن يكلّفه الثمن من تضحية ونضال ومقاومة. الأمر الذي يدفعني إلى القول بأن عثمان سونكو هو بحق زعيم العصر وأوحد زمانه لما حققه وأنجزه من تغيير الذهنيات وإنارة العقول وإحداث الوعي الجمعي في وقت قياسي منقطع النظير لا تتجاوز سنواته عدد أيام الأسبوع، أي من عام 2014م الذي هو عام نشوء حزبه إلى عام 2023م. هذا، وإن توقفت مسيرته السياسية في يوم 31 يوليو 2023م حيث بات أول ليلة وراء القضبان، فإن روح حزب باستيف قد تم غرسها في مخيال الأجيال إلى الأبد، لا شيء يمكن أن يستأصلها. إن سونكو هو البصمة التي لا تقبل الاضمحلال ولا الانمحاء إلى الأبد. لا شك أن الأوتار ستعزف أمجادك وإن بليت عظامك تحت التراب، وذلك رغم أنوف مضطهديك، وستسطِّر أقلام الأدباء والشعراء في كراسات دواوينهم أصالتك وفردانيتك وإن كرِهتَ ذلك طيلة وجودك في المعترك السياسي، ومن أجل بنات أفكارك وتضحيتك ونضالك ومقاومتك سيتسامر المغنون والمدَّاحون خلفك طَرَبًا وحكايةً وإن كانتْ نفسُك تَعافُ ذلك، بخٍ بخٍ، نعمَ الرجلُ أنتَ!
تآمروا ضدك لأنك صدعت بالحق وفضحت خفايا السيستم، وأعريت أهله، وأجليت جرائمهم وأزحت اللثام عن نَصبِهم واحتيالاتهم واستغلالهم للشعب ردحا من الزمن. بحق أيقظت شريحة كبيرة من الشعب السنغالي من سباتها العميق. جأرت مرارا وتكرارا منبها لهم: أفيقوا "ساعة الثورة قد رنت".
حاربوك لأنك لست على شاكلتهم، أنت من معدن خالص، ليس في الجيل شرواك، فأنت النبيل الأبي، والهمام الشهم، والمخلص الوفي، والصادق الأمين، أبعدتَ عن زمرتك وحاشيتك أهل الخيانة والغدر والكيد والمؤامرة.
قاتلوك لأنك القائد المغوار الذي لا يشق له غبار في الميدان السياسي، عهدك قصير وأثرك كبير، ملأ صيتك الدينا وإن حاول مضطهدوك استصغارك وتحقيرك. يا ابن كازامانس أنت أغلى من الماس في قلوبنا،
لا يوجد تعليقات