ظاهرة مرعبة تهدد الحياة ... اعداد د.عبدالمنعم صدقي استاذ بمركز البحوث الزراعية ـ مصر

من الفيضانات المدمرة في باكستان إلى حرائق الغابات في سيبيريا وتونس والجزائر واليونان وفرنسا واسبانيا، أصبحت آثار التغيرات المناخية ملموسة في جميع أنحاء العالم. يواجة العالم ظاهرة مرعبة تهدد الحياة على الارض وهي  ظاهرة ذوبان الأنهار الجليدية  التي تغذي عند ذوبانها في المواسم الحارة والجافة الأنهار والجداول والمسطحات المائية.

 

الأنهار الجليدية
 كتل جليدية ضخمة سميكة تتشكّل على اليابسة من الثلج المتساقط في مواسم هطول الامطار على المناطق شديدة البرودة  و الذي ينضغط نتيجة البرودة الشديدة ويتحول ببطء لطبقات او صفائح  من الجليد حيث تحتفظ الأرض بكمية منه للأعوام التالية بتراكم الثلج يتزايد وزن الطبقات العليا  ما يدفع البلورات الثلجية في الطبقات السفلى لأن تنضغط وتبدأ في الاندماج معاً ويتزايد حجمها تدريجياً حتى تتحول إلى كتل سميكة من الجليد.الوزن الهائل للكتل الجليدية في الأسفل مع الضغط بسبب قوة الجاذبية، يدفع هذه الكتل لأن تتحرك ببطء من المناطق الأعلى في القمم نحو المناطق الأقل ارتفاعاً في السفوح وذلك بسرعات متفاوته من  سنتيمترات إلى عدة أمتار  سنوياً وعلى مدار مئات آلاف من السنين يحدث تراكم الجليد الصلب بكميات هائلة  وتتكون  منها أنهار صلبة هائلة تمضي في طريقها ببطء لتفتت الصخور وتنحت الجبال وتشق الوديان. عمر الأنهار الجليدية يتراوح ما بين بضع مئات إلى آلاف السنين و معظم الأنهار الجليدية اليوم هي بقايا الصفائح الجليدية الضخمة التي غطّت الأرض في العصر الجليدي منذ أكثر من 10000 عام. وحتي يظل النهر الجليدي ثابت الحجم لابد من توازن بين الثلج المتراكم سنوياً والذائب او المنفصل
الجبال الجليدية
كتل ضخمة من الجليد منفصلة عن أطراف نهر جليدي تتحرك منزلقة لمياه المحيط، وهي تتكون من مياه عذبة متجمدة بداخلها حجارة ضخمة ورواسب وحصى  يحملها الجبل الجليدي ويقطع بها مسافات طويلة داخل المحيط وعند ذوبان الجبل الجليدي تستقر حمولته في قاع المحيط وتمثل ظاهرة الجبال الجليدية في وجود الضباب خطر طبيعي على السفن التي تبحر في تلك المناطق.
موقع الأنهار الجليدية
لا يقتصر تواجد الأنهار الجليدية على القارة القطبية الشمالية بل تتواجد في جميع أنحاء العالم  في الإكوادور وكينيا وأوغندا وغينيا الجديدة والأرجنتين وألاسكا ونيوزيلندا والدنمارك وجرينلاند وكندا وباكستان والصين  وتوجد الأنهار الجليدية  عند أو بالقرب من خط الاستواء.
 
أهمية الأنهار الجليدية
•    يعمل الجليد كغطاءً واقي للأرض والمحيطات حيث يعكس الحرارة الزائدة إلى الفضاء ويحافظ على برودة الكوكب.
•    تحتوي الأنهار الجليدية على كميات هائلة من المياه العذبة تصل إلى 80% من المياه العذبة علي سطح الكرة الارضية
•    تعمل كخزانات عملاقة تحبس المياه المتساقطة على شكل ثلوج لتطلقها على هيئة مياه ذائبة في مواسم الجفاف والحر. بما يضمن إمدادات ثابتة من المياه على مدار السنة.
•     ذوبان الأنهار الجليدية يوفر العناصر الغذائية للبحيرات والأنهار والمحيطات مما يؤدي للحفاظ علي موائل النباتات والحيوانات.
•    غالباً ما يعتمد الأشخاص الذين يعيشون في المناخات القاحلة بالقرب من الجبال على ذوبان الجليد للحصول على المياه لجزء من العام، مثل سكان الهيمالايا في جبال الأنديز، الذين يعتمدون كثيرًا على المياه الجليدية.
•     توليد الطاقة الكهرومائية من المياه الذائبة.
•    تعد الأنهار الجليدية مؤشراً مهماً للكشف عن تغيرات المناخ في انحسارها أو نموها أو تقدمها، ما يمكِّن الباحثون من رصد التغيرات في درجات الحرارة والهطول، وتحديد ارتفاع مستويات سطح البحر بقياس فقدان الجليد في الأنهار الجليدية، والعلاقة هنا طردية بين ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستويات البحار.
ذوبان الانهار الجليدية
توفر الأنهار الجليدية جزءًا مهمًا من المياه العذبة التي يستهلكها البشر. لقد أخذت الأنهار الجليدية في التقلص بمعدلات عالية نتيجة تغير المناخ حيث تفقد نحو 58 مليار طن من الجليد سنوياً. عندما تذوب الأنهار الجليدية بسرعة، يواجه ملايين البشر ندرة المياه وزيادة مخاطر الكوارث الطبيعية كالفيضانات وقد ينزح ملايين آخرون لارتفاع  مستويات سطح البحر. 
منذ أوائل القرن العشرين تذوب العديد من الأنهار الجليدية حول العالم بسرعة بسبب الأنشطة البشرية وتحديداً منذ الثورة الصناعية فقد أدى ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى لارتفاع درجة حرارة الأرض 1.1 °م  فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية ونتيجة لذلك، أخذت الأنهار الجليدية تذوب بسرعة. ويتوقع العلماء أنه إذا استمر انبعاث الغازات الدفيئة في الارتفاع فقد يصبح القطب الشمالي خالياً من الجليد في الصيف بحلول عام 2040. تحاول الأنهار الجليدية التكيف مع درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع بالذوبان بوتيرة ثابتة، وهو ما يتسبب بتقلص النهر الجليدي وارتفاع منسوب مياه البحر، ما يؤدي بدوره إلى زيادة تآكل السواحل وزيادة العواصف حيث يؤدي ارتفاع درجة حرارة الهواء والمحيطات إلى حدوث فيضانات وعواصف وأعاصير ساحلية أكثر تواتراً وشدة.كما تمتلئ البحيرات الجليدية المحاذية للأنهار الجليدية، وتفيض على ضفتيها وتتسبب بفيضانات كارثية في اتجاه مجرى النهر كما حدث في باكستان في نهاية عام 2022 ان عدد الأنهار الجليدية الموجودة بها يزيد عن 7200 نهر جليدي باتت عرضة حالياً للذوبان بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية وظهر ذلك في الفيضانات التي أدت إلى غرق ثلث مساحة باكستان بعد أن كانت البلاد عرضة لموجة من الأمطار الموسمية الشديدة دفعت الجداول والأنهار الممتلئة بالمياه القادمة من الأنهار الجليدية الذائبة، إلى فيضانات.
ذوبان الجليد في كل من القطبين الشمالي والجنوبي يساهم في ظاهرة الإحتباس الحراري لوجود كميّاتٍ كبيرةٍ من الكربون المخزَّن في الجليد وبعد ذوبان هذا الجليد مع العديد من العوامل كحرائق الغابات والانفجارات البركانيّة والنشاط الشمسي يتم إطلاق الغازات بشكلٍ كبير وعند انبعاث الكربون بشكلٍ مفاجئٍ سيؤدي لإحداث خلل في العمليات الطبيعيّة كدورة الكربون لان مصدر الكربون المخزّن في الجليد يكون من خارج الغلاف الجوي منذ آلاف السنين. لقد تقلّص النهر الجليدي على قمة جبل كليمنجارو سريعا في القرن ولم يتبق منه سوي 18% فقط من حجمه ولا يزال يتدهور حتى اليوم. نهر أليتش وهو أكبر نهر جليدي في جبال الألب، وأطول الأنهار الجليدية في سويسر والذي يبلغ طوله  23 كم، وسمكة 900 م ، ويحمل 11 مليار طن من الجليد يواجة تناقصاً وتسارعاً مخيفاً في معدل ذوبان ثلوجه بسبب تغير المناخ وكذلك نهر بيردمور الجليدي في القارة القطبية الجنوبية- أطول الأنهار الجليدية في العالم. أن نصف الأنهار الجليدية يمكن أن تختفي بحلول عام 2100 إذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة بالنسبة المعتادة حالياً.
ترجع عوامل ذوبان الأنهار الجليدية لندرة تساقط الثلوج خلال فصل الشتاء وهبوب رمال الصحراء الكبرى في فبراير التي تترسب على الجليد والثلج وتقلل من تأثير البياض بالاضافة الي موجات الحرارة. يتسبب هذا الذوبان في حدوث كوارث طبيعية كالفيضانات وتدفقات الحطام والانهيارات الأرضية و تبدأ البحيرات التي ستتشكل داخل الأنهار الجليدية بالتدفق في اتجاه السهول والأودية، وتجرف في طريقها القرى والبنى التحتية. ومع استمرار ترقق الجليد والطبقة دائمة التجمّد، تصبح الجبال أقل رسوخا واستقرارًا.
اصبحت ضرورة حتمية إجراء مزيد من الإستثمار الآن في الحلول القائمة على الطبيعة، والتي يمكن أن تساعد في التخفيف من تغير المناخ وتسمح بالتكيف بشكل أفضل مع آثاره  لمساعدة الدول على التكيف مع بيئة غير مستقرة بشكل متزايد.
 

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات