
محمد حمدي يكتب : زيارة إلى دبلن
- Europe and Arabs
- الأحد , 4 أغسطس 2024 6:26 ص GMT
تحولت خطتي من التوقف المؤقت في دبلن عاصمة جمهورية أيرلندا لأربع وعشرين ساعة في طريقي إلى أمريكا إلى رحلة سياحية امتدّت لنحو أسبوع ورب صدفة خير من ألف ميعاد كما يقال.
لم أفاجئ كثيرا بالطبيعة الخلابة من نافذة الطائرة عند الهبوط التدريجي في مطار دبلن، بقدر ما سعدت بطقس صيفي مختلف حيث لا تتجاوز درجات الحرارة العشرين مئوية بينما اعتدنا في منطقتنا العربية على لهيب الصيف في يوليو وأغسطس.
تستقبلك العاصمة الأيرلندية بمطار عنوانه البساطة والنظام وناس ودودة في الرد على أي استفسار لزائر يحط الرحال لأول مرة في بلادهم حتى أفراد الشرطة في طلبهم لوضع الحقائب على جهاز المسح ودودين للغاية.
ولم يكن من الصعب أن تعثر على مكان حافلة الفندق التي تقدم كخدمة مجانية للضيوف لأن الفندق يقع في حرم المطار بمسافة لا تزيد عن بضغة كيلو مترات.
ساحة انتظار السيارات والحافلات وحتى وسائل النقل العامة منظمة للغاية ولا تجد صعوبة في اختيار الأنسب لك وهو ما يجعلني أتحسر على وضع مطارات أخرى زرتها وتعجبت من سوء التنظيم وكأنها تختبر قدرة القادمين أو المغادرين على فك طلاسم الدخول والخروج منها.
بدأت في استكشاف معالم مدينة دبلن واحدة تلو الأخرى كلما استطعت إلى ذلك سبيلا وكانت سهولة التنقل بالأتوبيس العام من الوسائل المساعدة على التحرك ناهيك عن رصيف يفتح نفسك للمشي.
إلى أن كانت زيارتي لمتحف الهجرة الأيرلندية، هنا قصة وطن شكلت الهجرة منه وإليه ملمحا أساسيا في تاريخه عبر العصور والأزمنة المختلفة. يروي لك في عشرين قبو تدخله واحدا تلو الأخر قصة من قصة هذه الأمة، من عصور الثراء والمجد إلى زمن المجاعة والذل، من مشاهير السياسة والفن والعلوم الأيرلنديين الذين هاجروا عن بلادهم ويفخرون بجذورهم وثقافتهم إلى أخطر المجرمين الأيرلنديين الذين ارتكبوا فظائع في وجهاتهم الجديدة.
باختصار متحف الهجرة يقرّبك من تاريخ مذهل لأمة صغيرة كافحت وناضلت ولها ثأثير واسع في تاريخ بلدان عظمى استقرّت فيها الجاليات الأيرلندية من أمريكا إلى الأرجنتين وإنجلترا وأستراليا وغيرها، حتى الألعاب الرياضية التي يطلق عليها Gaelic games وتضم كرة القدم واليد والمضرب والتي انتشرت في كثير من بلدان العالم لكنها تحظى بمكانة خاصة في مهدها أيرلندا.
قبل السفر بيوم واحد وددت أن أودع المدينة بزيارة ثانية لحديقة Malahide في يوم مشمس جميل وأثناء انتظاري في محطة الأتوبيس كانت تجلس بجواري سيدة أيرلندية ودار بيننا حديث سريع عن رأيها في تكلفة الحياة، هل تعتبرها باهظة أم أنني أبالغ لأنني غريب عن البلد؟ لم تخف حقيقة ارتفاع تكاليف المعيشة وهي تعمل في مصنع لإنتاج الشوكلاتة وتسكن بالقرب من عملها وقالت لي إن الأيرلندي ربما لا يعرف الكثير عن تاريخ بلده مثلما يعرف السائح!
ولأن الصدفة عنوان رحلتي من البداية فقد تغيرت وجهتي من زيارة الحديقة إلى اكتشاف قرية Malahide الصغيرة عندما ذهبت لأشتري القهوة من هناك.. لاختتم زيارتي بصدفة أجمل من صدفة البداية
دبلن.. مدينة صديقة للإنسان، تترك فيك ذكريات طيبة ورغبة في العودة إليها مجددا ولو بعد حين.
لا يوجد تعليقات