
يا أنصار باستيف لا تقعوا في الفخ! .. بقلم/ المفكر الإسلامي الأستاذ محمد غالاي انجاي – مدير معهد المحراب ببروكسل
- Europe and Arabs
- الاثنين , 21 أغسطس 2023 10:9 ص GMT
يا أنصار باستيف لا تقعوا في الفخ!
إن السياسية التي تبناها الدكتاتور ماكي سال مع الزعيم المعارض عثمان سونكو ترتكز منذ باكورتها على المحاولة بكل الوسائل الممكنة لتلطيخ اسمه وتشويه صورته أمام السنغاليين والعالم بأسره، وقد استنزف لتحقيق هذا المطمح الوضيع كل وسائل القوة والضغط والحيل والخداع التي كانت في حيازته. وقد نجح بالفعل في تجريد الزعيم سونكو من كل منصب وظائفي تقلده! المتتبع لسيرة هذا الأخير يجد سلسلة غير متناهية من الاتهامات التي تفوق الخيال قد رميت على كاهله! نبدأ بذكر تهمة السلفية التي ألصقت بـ سونكو وحزبه. وتعني السلفية هنا الجماعة الإسلامية المتطرفة والمكفرة والمُبدِّعة للصوفية. بعبارة أخرى تلك التي لا اهتمام لها إلا محاربة الطوائف الصوفية في كل زمكانية، مستعينة بسلاح البترول وكل أجهزة الدول التي تحضنها لإخراج إخوانهم في الدين من زمرة المؤمنين! فالصوفية عند هذه الجماعة أكفر من كفار قريش في العهد النبوي، ومن مناهجها أي السلفية في الدعوة والإرشاد الإنزال على إخوانهم المسلمين الآيات القرآنية التي نزلت على الكفار. وتهمة السلفية الملصقة بـحزب باستيف هي التي ولدت كل الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تنتسب إلى الإسلام في كل أرجاء العالم مثل القاعدة في أفغانستان، وداعش بأرض الشام، وهلم جرا!!!
ليس ثمة أدنى شك أن باستيف من هذا الاتهام بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب. فكل المصلحين الدينيين والسياسيين والاجتماعيين عبر التاريخ غالبا ما يتهموا بأمور كاذبة ملفقة ضدهم للحيلولة دون انتشار أفكارهم ونجاح مشروعهم الإصلاحي. لقد قيل عن نبينا المصطفى – عليه الصلاة والسلام – أنه شاعر، كاهن، ساحر، ...الخ. ولدينا أيضا في السنغال أقرب مثال: كم من تُهم زائفة ألصقت بشيخ المريدين، نعني الشيخ أحمد بمبا رضي الله عنه، لقد قيل إنه سفيه، ومُخلّ بالأمن العام (trouble à l’ordre public)، وأنه يستعد للقيام بالجهاد المسلح ضد الاستعمار الفرنسي وأنه جمع لذلك رجالا وتزود بمدافع محتجزة عنده في إحدى منازله، ...الخ. الكل يعلم اليوم أنها اتهامات واهية أسندت إليه لإيقاف مسيرته الروحية والتنويرية. وليس من شك في أن الأسباب الرئيسية لتلك الاتهامات يمكن اختزالها وردها إلى عزيمة هذا الشيخ في إيقاظ بني جلدته من سباتهم العميق وتوعيتهم على نحو خاص من التغريب في الأخر، فجأر قائلا في قصيدته الرائعة تحت عنوان: «إلهام السلام في الذب عن دين الإسلام»:
وَمِـنْــــــــهُمْ مَــــنْ إِنْ رَأى نَـصْـــرَانِــــــى يَـحْـسِـبْــهُ مِن مَّلاَئِـــــــــــــــــــكِ الرَّحْمَــــــانِ
وَمِـنْـــــــــــــــــهُمْ مَنْ ظَـــنَّ كَــوْنَ الأَمْــــــر كَالنَّـفْـعِ وَالضُّرِّ لَـهُـــــــــــــــمْ فِي الــــدَّهْـــــرِ
قُــلْـتُ مُـنــــــبِّـــــــــــــهًا لَـكُــمْ يـَا قَـــــوْمِــــى انْــــــــتَــــــــبِـــــهُـــوا مِنْ سَـكَــــــرَاتِ الـــنَّـومِ
وَلاَ تَـجْــــعَـــلُوا مُـنْــتَــفِـخًا قَـــــــــــــــدْ وَرِمَا مُسْـتَسْـمِنًـا فَــــــــــــــذَاكَ جَهْـلٌ عُـــــلِـــمَا
القائمة من أمثال الذين اتهموا دون وجه حق عبر التاريخ طويلة جدا لا يمكن استقصاؤها. إن الزعيم عثمان سونكو بحنكته ووعيه أدرك في وقت مبكر جدا مآلات هذه التهمة وما يمكن أن تسببها من نتائج وخيمة عليه وعلى حزبه فقام دون تسويف لإزاحة اللثام عن موقفه من الجماعة السلفية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك فكشف الستار عن بيئة نشأته وكيف عايش الإسلام وترعرع في كنفه عن طريق والديه، كل ذلك واضح وجلي في كتابه المعنون بـ "الحلول" (Solutions)، كما فند أيضا هذا الاتهام الواهي الذي لا يستند إلى شيء في كثير من خطاباته وفي علاقاته مع بعض الشيوخ من الطوائف الصوفية لاسيما المريدين. فإن كان حب عثمان سونكو ومشاركته في أغلب آرائه أو مساندته في محنته وفي الظلم الفادح الذي يعاني منه يجعل الإنسان سلفيا فأنا أول السلفيين، وبالتالي لن يشك أحد معي في أن سرين شيخ صالح امباكي ابن وخليفة الشيخ صالح – رضي الله عنه – الخليفة الخامس للطريقة المريدية، سلفي هو أيضا، والشيخ عبد امباكي دار المعطي سلفي، وكذلك كثير من وجهاء المريدين سلفيون! إنها لتهمة لا تقوم حين توضع في محك النقد والفحص بكل موضوعية. في الواقع، إن تلك الاتهامات ليست إلا تنطعا ومجرد هراء من أصحابها، بل هي سخافات يؤمن بها من أراد أن يؤمن بها. ويترتب على هذه التهمة أيضا أن أغلب المجتمع السنغالي ولا سيما الشباب من كل الطرق الصوفية يتمذهبون اليوم بالسلفية التي تحارب مرجعياتهم الدينية ومشاربهم الروحية! ومن هذا المنطلق أيضا نغتنم الفرصة لأرفع هنا كلمات النصح والتوجيه إلى كل الذين ينتمون إلى حزب باستيف أو ينتصرون لزعيمه أن يعوا جيدا الفخ الذي نُصب لهم عدوانا وحنقا. ومع الأسف الشديد لقد انخدع كثير من رجال الدين من أهل البيوتات الدينية بهذه التهمة فنأوا عن الزعيم وحزبه، ولم ينتصروا له ولحزبه بخصوص وابل الظلم الذي حل بهما. فما نُريد قوله هنا هو الآتي: كل هجوم أو اعتداء على المرجعيات الدينية في السنغال هو بعينه التلاعب بالنار. فالسنغال إذا خلت يوما من هذه المرجعيات الدينية ستكون العواقب وخيمة ربما أكثر من الأوضاع الحالية التي نعيشها. لو كنا في دولة تحترم وتقدر قيمة هذه المرجعيات الدينية لكانت لها مكانة مؤسساتية مرموقة تليق بها غير التي هي فيها في الأوقات الراهنة. كل سنغالي عاقل يدرك ما يجري في الكواليس ليس عليه إلا أن يحترم تلك المرجعيات الدينية ويعطيها حقها كما يليق وينبغي. فإن أنت هاجمتها وحقرتها أو استهزأت بها يوما، فاعلم أنه سيأتي يوم ستكون في مسيس الحاجة إليها. فالمرجعيات الدينية هي بمثابة أركان أو أعمدة متينة للمجتمع السنغالي يوم تنهار ينهار المجتمع معها! وفي هذا السياق أتذكر حوارا عميقا جرى بيني وبين المرحوم السيد الأمين انياس رئيس مجموعة "الفجر" دام هذا الحوار قرابة ساعة ونصف كالعادة معه. وكان موضوع حوارنا ينصب حول الأوضاع السياسية السيئة في فترة ولاية ماكي سال الأولى. وفي أثنائه تطرقنا لموضوع المرجعيات الدينية وعلاقتها بما يحدث في الساحة السياسية، صُمتها أحيانا وتدخلها أحيانا أخرى في مجريات الأحداث. وقمين بالذكر أن المعني بهذه المرجعيات هنا من يُسمون بـ "الخلفاء" في البيوتات الدينية ذات المشرب الصوفي. فَخَفَضَ السيد الأمين انياس من صوته كأنه يريد أن يهتف في سمعي شيئا مهما جدا ويريد مني أن أنصت له أكثر، فجمعت كل أعضاء في سكون تام كأن على رأسي طيرا أو كميت بين يدي غاسله. قال: "يا بروفيسور غالاي تلك المرجعيات لا يهجم عليها أبدا نظرا للحطب. قلت: ماذا تعني بالحطب؟ قال: كرسي الخلافة. فاستطرد قائلا: "أنت حين تهجم على خليفة ما فاعلم أنك هجمت على كل من جلس على ذلك الكرسي قبله وبعده وحتى الشيوخ المؤسسين لتلك البيوتات الدينية. فالحكمة تقتضي احترام الكرسي بغض النظر عمن يَجلِسُ عليه". فأدركت على التو أنها كلمات وجيهة وثمينة صدرت من حكيم، بل من رجل على مستوى راق جدا من المعرفة والدراية بالمجتمع السنغالي، رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وخلد أعماله الرائدة إلى يوم يبعثون. آمين. تأسيسا عليه، فليدرك الجميع أن معركة باستيف لم تكن في يوم من الأيام ضد المرجعيات الدينية ولا الطرق الصوفية، فأنا شخصيا لم أجد من ممثلي حزب باستيف الذين لهم مناصب معروفة داخله من يسب ويهاجم على المرجعيات الدينية أو يتنكر لفعلهم وصنيعهم. السيد عثمان سونكو نفسه حذر مرارا وتكرارا أنصاره من استخدام السب والشتائم، وسيما تلك التي تُوجه إلى المرجعيات الدينية، وبين في بعص تصريحاته أن من يفعل ذلك ليس من زمرة أنصاره، وكفى بذلك شهيدا. إن السباب والشتائم لم تخدم أي مشروع سياسي عبر التاريخ، تلك حيلة خسيسة نسجتها عناكب الحكومة واستعملت فيها رجالا محترفين في الانترنت يروجونها تخويفا للصوفية ومن على شاكلتهم. أكثر هؤلاء الذين يشتمون ويسبُّون في الانترنت لا يعترف بهم الحزب وأحرى عثمان سونكو صاحب الخلق السوي. ليس كل من يدعي الانتماء إلى حزب باستيف عبر الانترنت ينتمي إليه حقيقة، وهذا أقل ما يمكن أن يدركه من له أدنى مسكة من عقل. الذين يحترفون الشتم والسب في الشبكة العنكبوتية هم نشطاء سياسيون معروفون (activistes) يتكسبون حيث يجدون لقمة عيشهم، وفي الغالب هم متمردون يسعون للانتقام من أناس كانوا السبب فيما أصابهم من ظلم أو ذل وهوان. وعلى باستيف في هذه الأيام الحالكة التي اختلط فيها الحابل بالنابل أن يصدر بيانا شافيا في هذا الأمر قبل أن يستفحل أمره، وتنجح الحكومة الماكرة في رواجها لهذه التهمة الخبيثة التي ما أنزل الله بها من سلطان. وتنضاف إلى تهمة السلفية تهم أخرى كلها باطلة لا وجه لها من الصحة في شيء. لقد اتهم باستيف أنها خلية مستترة من جماعة متمردي كازامانس (rebelles)، وأنهم إرهابيون مولعون بإشعال نار الفتنة، الخ. القائمة من غير مواربة غير مستوعبة، وللحديث بقية. يقول تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). [البقرة: 214]. (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ، لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ). [النور: 1-14].
لا يوجد تعليقات