
سوريا: سيناريوهات تغيير سياسي دراماتيكي .. هل يوجد اتفاق غير معلن ما بين "موسكو و واشنطن"، مقابل الصمت الروسي عما يحدث ؟؟؟
- Europe and Arabs
- الخميس , 12 ديسمبر 2024 15:46 م GMT
الفوضى الخلاقة في ظل الحراك العربي لتقسيم المنطقة على أسس الهوية العرقية والطائفية، ولتصبح الدول العربية أمام تلك الطوائف المتحاربة عاجزة عن تهديد أمن وسلامة إسرائيل. لا سيما، أن "مشروع الشرق الأوسط الجديد" تم موافقة الكونغرس الأمريكي عليه بالإجماع
عام "1983"، وقد أعادت الولايات المتحدة إحياء هذا المشروع بعد أحداث
"الربيع العربي". ويهدف المشروع إلى تقسيم سورية إلى دويلات صغيرة
كالتالي:
1- الدولة السنية: وتضم دمشق، حلب، وقسم من حمص، وتدمر، والرقة، ودير
الزور، وصولاً إلى مدينة الحسكة التي تضم طائفة كردية.
2- الدولة الكردية: تمتد من حدود إقليم كردستان العراق شرقاً، مروراً
بالقامشلي، الحسكة، ديرباسية كوباني، عفرين، وتنتهي بمضيق سلمى الساحلي.
3- الدولة العلوية: وتضم طرطوس، واللاذقية، وتمتد من الدولة العلوية إلى
حدود لواء اسكندرونة التابع لتركيا في الشمال إلى الحدود اللبنانية من
الجنوب.
4- الدولة الدرزية: حيث تأخذ أجزاء من الأراضي السورية واللبنانية .
** وعلى ذلك، بدا لصانع القرار الروسي أن المتغيرات التي تشهدها المنطقة
في ظل أحداث "الربيع العربي" تهدد النفوذ الروسي في المنطقة، خاصة بعد أن
كشف السيناريو الليبي التوسع في تفسير قرار "مجلس الأمن 1973"، وتجاوز
حدود مضمون القرار من حماية المدنيين للإطاحة بالنظام الليبي وحكم
"القذافي". فضلاً عن إدراك موسكو أن قوي التغيير المُعَدة لإدارة وحكم
المنطقة هي قوى الإسلام الراديكالي والجهاديين، وأن ذلك يهدد الأمن
القومي الروسي ويعوق موسكو من المساهمة في صياغة النظام الإقليمي الجديد.
ومن ثم، كان الرفض الروسي بشكل قاطع ومعلن برفض تغيير النظام والتدخل
الخارجي في الشأن الداخلي السوري وقدمت موسكو كافة أنواع الدعم
الدبلوماسي السياسي والعسكري لتعزيز قدرة النظام على مواجهة الأزمة.
-- وبعد التفوق الذي حققته المعارضة المسلحة والتنظيمات الجهادية
وسيطرتها على 70% من الأراضي السورية، فإن ذلك ما دفع موسكو لتشكيل
ائتلاف إقليمي يضم (النظام- روسيا- إيران- حزب الله)، خاصة بعد عجز
"التحالف الوهمي الأمريكي" 2014، بدعوى محاربة "داعش" عن وقف تمدد
التنظيمات المسلحة وانتشارها على معظم الأراضي السورية، ومن ثم، نجح
التحالف الروسي بتمكين النظام السوري من استعادة السيطرة ميدانياً على
الأرض السورية، وتكون موسكو بذلك قد حققت الحفاظ على النفوذ والمصالح
الروسية في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن مكافحة وتقويض انتشار التنظيمات
الجهادية ليس على مستوى المنطقة فحسب، وإنما تخوفاً من امتداد مخاطر
تهديدها إلى الداخل الروسي . لأنه في المقابل وعلى الجانب الآخر، فإن
سقوط النظام سيؤدي إلى تأسيس نظام موالٍ للغرب سينعكس بتصعيد خطر
المواجهات الروسية مع الغرب في منطقة القوقاز وجمهورية آسيا الوسطى التي
تمثل أهم المجالات الحيوية لموسكو. ولعل ذلك ما وضع سورية على قمة
الاهتمامات الروسية في الشرق الأوسط. وبدا بوضوح أمام صانع القرار الروسي
أن استقرار سورية يمثل حجر الزاوية لموسكو، وأن تطور الحرب الأهلية
وتصعيدها في سورية سيكون سبباً مباشراً في زعزعة أوضاع الدول المجاورة
وسينعكس أثاره بتهديد أمن المنطقة.
-- ولأنه لا يغيب عن الذاكرة الروسية أن الثابت في العقيدة الأمريكية، أن
من يسيطر على منطقة "الشرق الأوسط" يسيطر على العالم، فضلاُ عن أن تحقيق
أمن إسرائيل وسلامتها في المنطقة هو من أولويات الثوابت الأمريكية، لذا
شهدت الأحداث التاريخية منذ خمسينيات القرن الماضي "توتر العلاقات" بين
واشنطن ودمشق على أثر ملاحقات إدارات "البيت الأبيض" المستمرة للأنظمة
والحكومات السورية المتعاقبة لإرغام سورية اتباع سياسة لا تتعارض مع
السياسات الأمريكية في المنطقة. ومنذ تلك الحقبة التاريخية المهمة مروراً
بأحداث ما يُسَمّى بـ"الربيع العربي"، مازالت دمشق متهمة من "البيت
الأبيض" بأنها ضمن الدول الراعية للإرهاب، ولكونها ضمن (محور المقاومة)،
وضعتها أجندة واشنطن على طول فترة الصراع (الإسرائيلي- السوري) ضمن "محور
الشر" (العراق- إيران- كوريا الشمالية)، وعلى قائمة الدول المستهدفة
بتغيير الأنظمة الديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط .
-- كما شكلت التحولات العالمية منذ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد
السوفييتي أهم المتغيرات الإقليمية التي وظفتها واشنطن لتغيير خارطة
الشرق الأوسط، خاصة منذ "أحداث سبتمبر"، مروراً بـ "غزو العراق"، وما
يُسَمّى بـ"الربيع العربي"، وبدا ذلك بوضوح منذ أطلقت "كونداليزا رايس"
وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس "جورج دبليو بوش" بما تعارف على
اصطلاحه بـ(الفوضى الخلاقة) ذلك الاصطلاح الذي ارتبط ظهوره بالشرق
الأوسط، وخرج من مراكز الأبحاث الأمريكية عام "1902" على يد المؤرخ
الأمريكي "تاير ماهان"، ليتطور المفهوم بعد ذلك على يد "مايكل ليدن" إلى
ما يُسمَى بـ(الفوضى البناءة أو التدمير البناء)، وبما يعني أنه عندما
يصل المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى من العنف وإراقة الدماء وإشاعة الخوف
والذعر لدى المواطنين، يُصبح في الإمكان إعادة بناؤه من جديد بهوية
وأيديولوجية جديدة بعد القيام بإجراء الإصلاحات السياسية والاجتماعية.
ومن هنا، استطاعت الولايات المتحدة أن تجعل من أحداث "سبتمبر 2001"،
مدخلاً لتسويق الأهداف التي تخدم متغيرات السياسات الأمريكية وفق ما تم
عولمته من مفاهيم وقضايا دولية جديدة تبنتها المؤسسات الدولية والأممية ك
(الإرهاب- التحول الديمقراطي- أسلحة الدمار الشامل- التدخل الإنساني-
مبدأ حق الحماية ...إلخ).
-- ومن ثم، دعمت واشنطن"المعارضة المسلحة" في سوريا، منذ امدلاع الصراع،
لإزاحة النظام العلوي الشيعي بهدف إقامة (دولة سنية) في المنطقة لتصبح
إيران عدوها الأول بدلاً من إسرائيل، ففي التصور الأمريكي أن ذلك سيؤدي
إلى تحول الصراع (العربي- الإسرائيلي) إلى صراع (سني- شيعي)، وأن ذلك
سيسهل من تحقيق ما يُسَمّى بـ(مشروع الشرق الأوسط الجديد) لتقسيم المنطقة
على أسس الهوية الطائفية والعرقية.
ومن هنا، وعلى مسرح الأحداث في سوريا اليوم، نشاهد مشهدين هما
الأقرب والأوضح لتفسير المشهد أو الواقع السوري:
-- (الأول) وجود وتداخل العديد من الفصائل والميليشيات الطائفية
والسياسية المسلحة على الأراضي السورية من كل المستويات والاتجاهات، ومن
مختلف التكوينات والتنظيمات الدينية والسياسية، والتي يصعب حصرها، كما
يصعب تحديد مدى حركتها ونطاقها، ومنابع تمويلها من دول المصالح والأطماع،
وما يمكن أن تشكله تلك القصائل من مخاطر وتهديد ليس فقط على الداخل
السوري، بل على المنطقة بكاملها ودول الجوار. ومن أهم تلك التنظيمات، ما
يسمى ب "الجماعات الجهادية الإسلامية"، والمناهضة للنظام، والتي تسعى
لتكوين (دولة الخلافة)، وعلى رأسها (جبهة النصرة، والتي تم تغيير اسمها
إلى "جبهة فتح أو تحرير الشام" في "يوليو 2016"- الجبهة الإسلامية- حركات
أحرار الشام الإسلامية- جيش الإسلام- الجبهة الإسلامية السورية- اتحاد
جند الشام الإسلامي- جبهة التحرير الإسلامية السورية- لواء أحفاد
الرسول)، علاوة على تنظيم الإخوان المسلمين وميليشياته المنبثقة عنه
والتابعة له تحت مسمى (الجيش السوري الحر)، فضلاً عن العديد من التنظيمات
التي تم تكوينها ما بعد 2011، والتي يصعب حصرها.
-- (الثاني) وهو السؤال الأهم في هذا المقال: هل من السهل اليسير، بعد كل
ما دفعته "موسكو" من تكاليف وفواتيرعبر أكثر من نصف قرن أو يزيد لتأمين
مصالحها الاستراتيجة والعسكرية في الشرق الأوسط، أن تغمض عينيها عن كل ما
يحدث في سوريا اليوم!!! فأصبحت في ليلة وضحاها، لا تسمع ولا ترى ولا
تتكلم، وتغامر بكل مقدراتها بتنصيب وتأمين ألد أعدائها بديلاً عن أكبر
حليف لها في المنطقة والشرق الأوسط!!!،... أم أن ثمة اتفاق غير معلن ما
بين (ترامب – بوتين)، دفعت سوريا فيه الثمن مقابل ما ستحصل عليه روسيا في
أوكرانيا؟؟؟
ومستخلص الختام:
* بدا واضحاً من كل ما تم عرضه واستطراده، أن الموقف الأمريكي تجاه
الأزمة السورية والنظام، وبرغم مروره بمراحل وحقبة زمنية ليست بالقصيرة
منذ نشوب الأزمة واشتعال الصراع، إلا أنه في حقيقته لم يتغير أو يحيد عن
الهدف الذي أعلنته واشنطن منذ بداية الأزمة واندلاع الصراع، وهو العمل
على إزاحة الأسد ونظامه في إطار المخططات الأمريكية والغربية
لتغييرالأنظمة العربية وإحلالها بأنظمة بديله لا تتعارض مع الاستراتيجية
الأمريكية الجديدة.
* وعلى الرغم من أن الصراع السوري يبدو في ظاهره صراع بين الأسد ونظامه
من جهة، والمتمردين المسلحين من جهة أخرى، إلا أننا نرى أن الصراع السوري
بفعل ما أرادته القوى العالمية في غياب الشرعية الدولية، أخذ منحى الصراع
الطائقي (سني – شيعي)، كأحد أشكال حروب الوكالة لإشعال وتقسيم المنطقة
العربية، وإعادة رسم حدود الشرق والعالم الجديد الذي تريده أمريكا
وحلفائها الغربيين.
*ثبت يقيناً بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي، أن الميليشيات الطائفية
والجهادية التي تسعى لإقامة دولة الخلافة في سوريا بدعم الولايات
المتحدة وحلفائها الغربيين، وهو الأمر الذل كان مقدراً له أن أن يحدث في
سيناء قي ظل حكم الإخوان المسلمين في مصر، هي الخطر الأكبر الذي يهدد
الأمن القومي السوري ودول الجوار، مما يهدد الأمن القومي العربي.
* ومن ثم، وعن مستقبل سوريا، فلست لا من المتفائلين ولا المكبرين بأن هذا
فتح عظيم!!!، والذي يريد أن يرى المشهد كاملاُ بأبعاده، وبلا تزييل أو
تجميل، يجب أن ينظر ويدقق النظرعما فعلته إسرائيل في ثلاثة أيام فقط منذ
رحيل الأسد ونظامه، من حيث استغلت حالة الفراغ اللحظي، وانشغال كل فصيل
أو جماعة بتأكيد سيطرته على الجزء المتاح من جغرافيا الدولة المنكوبة،
وقامت بتدمير البحرية السورية والمطارات وكافة أنظمة الدفاع الجوي ولا
يقل عن 500 طائرة جوية وما يقارب من 2700 دبابة حربية بما يعني تدمير
ترسانة وقوة سوريا العسكرية، فضلاً عن احتلال منطقة (جبل الشيخ السورية)
وإنشاء منطقة عازلة!!!، والغريب لم نجد من عشرات الجماعات والفصائل
المسلحة التي تتصارع على تقسيم الغنائم في سوريا، أي فعل أو إشارة أو
حتى شجب أو إدانة لما فعلته اسرائيل، وكأنه من الأمور المتفق عليها!!!،
فلكِ الله ياسوريا -- لكِ الله ياسوريا.
بقلم/ عطية سعد
ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية/ جامعة القاهرة
لا يوجد تعليقات