حصان طروادة الجديد.. شيطنة التكنولوجيا هزمت سذاجة الأيديولوجيا .. بقلم مصطفى كمال الأمير


منتصف سبتمبر 2024، شهد لبنان موجتين متزامنتين من التفجيرات المدمرة التي استهدفت أجهزة الاتصال اللاسلكية والمحمولة (البيجر) المستخدمة من قِبل عناصر حزب الله
وأسفرت عن مقتل العديد من المدنيين الأبرياء بينهم نساء وأطفال، وإصابة نحو 2750 شخصًا، 
بمن فيهم السفير الإيراني في لبنان، السيد مجتبى أماني.
لم يتوقف الهجوم الإرهابي هنا
 حيث استهدفت الموجة الثانية أجهزة الاتصالات اللاسلكية "آيكوم" اليابانية، مما أسفر عن مقتل 30 شخصًا وإصابة 750 آخرين في لبنان وسوريا. هذه الهجمات الشيطانية تسببت في شلل شبه كامل للقطاع الصحي في لبنان، حيث انهارت الخدمات في أكثر من 150 مستشفى في البلاد.
مؤامرة محكمة التخطيط والتنفيذ
الهجمات لم تكن عشوائية، بل كانت جزءًا من عملية استخباراتية معقدة خطط لها الموساد الإسرائيلي على مدى عقد كامل.
الهدف:  استغلال التقنية القديمة، أجهزة البيجر، التي لجأ إليها حزب الله لتفادي الاختراقات التكنولوجية الحديثة.
في خطوة ماكرة، قامت إسرائيل بزراعة وتوريد أجهزة بيجر معدّلة تحتوي على مادة PETN شديدة الانفجار. بيع هذه الأجهزة لحزب الله تم عبر شركات وهمية في دول مثل رومانيا وبلغاريا والمجر. تلك الأجهزة، التي اشتُريت قبل التفجيرات بخمسة أشهر فقط، أصبحت أداة للموساد لتحويل أيديولوجيا حزب الله إلى سلاحٍ ضدهم.
الغريب في الأمر أن حسن نصر الله الأمين العام للحزب كان قد أصدر تعليمات لأعضاء التنظيم قبل خمسة أشهر فقط باستخدام أجهزة النداء الآلي بدلاً من الهواتف المحمولة، لتفادي اختراق إسرائيل شبكة الإتصالات وهواتفهم المحمولة.
وهو ما يؤكد اختراق الموساد لحزب الله والقيادة القريبة من حسن نصر الله نفسه
كما غيرت قواعد اللعبة من زعزعة الثقة في تأمين اتصالاتهم 
وهو ما أربك صفوف التنظيم كله وضعه في زاوية ضيقة أو عنق الزجاجة
وحدث مؤخراً وقف هش لإطلاق النار أنهى الحرب المفتوحة بين إسرائيل و"حزب الله" الشيعي 
التي بدأت في 8 أكتوبر 2023، إسناداً لجبهة قطاع غزة والفلسطينيون المسلمون "السنة"
لكنها انتهت بعد 13 شهر بهزيمة ساحقة للحزب الموالي لإيران 
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان عن 4 آلاف قتيلاً مع 17 ألفا جريحاً بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون ونصف مليون شخص ( ربع سكان لبنان) 
التكنولوجيا سلاح فتاك
أثّرت هذه العملية بشكلٍ جذري على هيكلية حزب الله، حيث تم استهداف واغتيال قياداته العسكرية والإعلامية والمالية، وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين
الترتيب والتجهيز الدقيق للعملية واختيار التوقيت المناسب مهّدا الطريق لشن حربٍ شاملة استهدفت البنية التحتية لحزب الله، ودمرت الضاحية الجنوبية في بيروت وجنوب لبنان.
التداعيات الكارثية على لبنان وسوريا
لم تقتصر آثار العملية على حزب الله فقط، بل امتدت إلى سوريا وإيران، حيث تعرّض المحور الشيعي لضربات متتالية أدت إلى انهيار الجيش السوري، وتفكيك جبهة المقاومة
كما تعرض لبنان " المنهار اقتصاديا "  لخسائر بشرية ومادية فادحة، 
ومقتل 4000 شخص وإصابة 17 ألفًا، بالإضافة إلى نزوح مليون ونصف مواطن، ما يعادل ربع سكان البلاد.
ماذا تبقي من محور إيران 
تبقي الدور علي حوثيين اليمن "وصواريخهم "  بمساعدة أمريكا وبريطانيا حلفاء إسرائيل 
خدعة حصان طروادة العصرية
ذكّرتنا هذه العملية بالحيلة الإغريقية القديمة، "حصان طروادة"، 
عندما اختبأ الجنود داخل حصان خشبي ضخم خدع سكان طروادة، ليفتحوا أبواب المدينة لجيشهم تحت جنح الظلام.
ويستيقظ أهل المدينة علي هزيمتهم 
اليوم، حصان طروادة ليس خشبيًا، 
بل حديث متطور إلكترونيًا. التكنولوجيا أصبحت الأداة الجهنمية لتدمير الخصوم بطرق غير تقليدية، مدمرةً ليس فقط الجيوش، 
بل ثقة التنظيمات في جيوش دولها وأجهزتها السيادي وزعزعة استقرارها .
جريمة البيجر وأجهزة النداء walkie-talkie نفي "كذباً" الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ  حينها مسؤولية إسرائيل عنها ، خلال مقابلة مع شبكة "سكاي نيوز" البريطانية
لكن ظهرت حقيقة أكاذيبهم بعد اعترافهم باغتيال إسماعيل هنية قائد حماس في طهران أيضاً 
كما نفت شركة "غولد أبوللو" التايوانية تصنيع الأجهزة المستخدمة في الهجوم، لافتة إلى أن شركة "بي.إيه.سي" في المجر لديها ترخيص لاستخدام علامتها التجارية. 
وأن هذه الأجهزة لم تُصنع في تايوان
بل صنعت في إسرائيل نفسها ! 
التي صدرتها الي بلغاريا والنرويج ورومانيا عبر شركات الموساد الوهمية
ومنها الي لبنان 
الدرس المستفاد
الحرب بين إسرائيل وحزب الله، التي استمرت 13 شهرًا وانتهت بهزيمة ساحقة للحزب، أثبتت أن التكنولوجيا ليست فقط أداة للتقدم، 
بل سلاحًا خفيًا يمكنه قلب موازين القوى. وكما قيل قديمًا: "لا تستهين بالعدو، حتى لو بدا أنه قديم أو منسي، فقد يحمل داخله بذور هلاكك".
ونذكر هنا حادثة انفجار مرفأ ميناء بيروت المدمر عام 2020 ( بسبب رسو سفينة مواد كيماوية خطرة ) 
ومقتل 218 شخصًا وعشرات المفقودين وإصابة أكثر من سبعة آلاف شخص والخسائر المادية وصلت 15 مليار دولار أمريكي
النهاية ليست هنا. 
ما زال العالم يترقب، لأن التكنولوجيا قادرة دائمًا على إنتاج خدع مزيفة جديدة من "حصان طروادة"
في عالم يحكمه قوي الشر والأندال بعدما غابت عنه قيم العدالة ونبل أخلاق وشجاعة الفرسان في الميدان

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات