
الأنثروبوسين : الإنسان يغير ملامح الكوكب .. اعداد د/عبدالمنعم صدقي استاذ بمركز البحوث - مصر
- Europe and Arabs
- الجمعة , 27 يونيو 2025 8:37 ص GMT
مصطلح "الأنثروبوسين" يُشير إلى فترة زمنية جديدة يُعتقد أن الأنشطة البشرية خلالها أصبحت تؤثر على كوكب الأرض بشكل يفوق تأثير العمليات الطبيعية، سواء على مستوى البيئة أو المناخ أو الجيولوجيا. هذا المفهوم، الذي لم يُعترف به رسميًا حتى الآن ضمن الجدول الزمني الجيولوجي، جاء نتيجة إدراك علمي متزايد بأن الإنسان لم يعد مجرد عنصر ضمن النظام البيئي، بل أصبح قوة قادرة على إعادة تشكيل الكوكب برمّته.
تعود جذور المصطلح إلى التسعينيات، لكنه اكتسب شهرة علمية واسعة بعد أن تبناه عالم الكيمياء الهولندي بول كروتزن، الذي اقترح أن التأثيرات البشرية منذ الثورة الصناعية، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، باتت تستحق تصنيفًا زمنياً مستقلاً. وقد أشار إلى أن استخدام الوقود الأحفوري، والزيادة السكانية، والأنشطة الصناعية والزراعية، كلها عوامل أسهمت في تسارع التغيرات البيئية. وتم اقتراح سنة 1950 كبداية رمزية لعصر الأنثروبوسين بسبب ما يُعرف بـ"التسارع الكبير"، وهو مصطلح يشير إلى الطفرة غير المسبوقة في الأنشطة البشرية منذ منتصف القرن العشرين.
تتمثل هذه التأثيرات في عدة مظاهر بيئية خطيرة. أولها تغير المناخ الناتج عن تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الجليد القطبي، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتزايد الظواهر المناخية القاسية. يضاف إلى ذلك الانقراض الجماعي المتسارع للأنواع، حيث تُسجل الأرض معدلات اختفاء للكائنات تفوق المتوسط الطبيعي بمئات المرات، نتيجة تدمير المواطن الطبيعية والتلوث والتغير المناخي. كما أن التلوث بمختلف أشكاله – من الهواء والمياه إلى التربة والبحار – أصبح سمة ملازمة لهذا العصر، خاصة مع الانتشار الواسع للمواد البلاستيكية والكيماويات الصناعية التي باتت تترك أثراً حتى في الطبقات الرسوبية.
رغم هذه المؤشرات، لا يزال الجدل قائمًا حول ما إذا كان ينبغي تحديد نقطة واحدة لبداية هذا العصر، أو اعتباره عملية تراكمية بدأت مع الزراعة القديمة وتطورت تدريجياً. فبعض الباحثين يرون أن اختزال الأنثروبوسين في إشارات جيولوجية مثل مخلفات التفجيرات النووية يُبسط القضية أكثر من اللازم، ويُغفل التفاعلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي قادت إلى الوضع البيئي الحالي.
ماذا عن العدالة البيئية، والتفاوت بين الدول الغنية والفقيرة، والمسؤولية التاريخية عن التدهور البيئي. فالدول الصناعية الكبرى هي المسؤولة عن النصيب الأكبر من الانبعاثات، بينما تتحمل الدول النامية العبء الأكبر من الآثار، رغم محدودية دورها في التسبب بها. كما أن الفئات الأقل حظاً في المجتمعات غالبًا ما تكون الأشد تأثراً بالكوارث البيئية، ما يعكس اتجاهاً متنامياً لعدم المساواة البيئية.
في ظل هذه المعطيات، يُمثل الأنثروبوسين لحظة فارقة في تاريخ البشرية، تُلزم الإنسان بإعادة التفكير في دوره ومكانته ضمن النظام البيئي. فالتحديات المطروحة لا يمكن حلها فقط من خلال الابتكار العلمي أو التكنولوجي، بل تتطلب تحولاً ثقافياً وأخلاقيًا في طريقة تعامل المجتمعات مع الطبيعة. إن الاعتراف بأننا نعيش في عصر الأنثروبوسين ليس دعوة للذعر، بل نداء عاجل لتحمّل المسؤولية، والسعي نحو نماذج تنموية أكثر عدالة واستدامة تضمن بقاء الإنسان والكوكب معًا.
لا يوجد تعليقات