خيار شمشون ونهاية العالم .. الشرق الأوسط في عين العاصفة .. بقلم الكاتب مصطفي كمال الأمير

 

اندلعت شرارة حرب إقليمية كبرى في الشرق "الشرخ" الأوسط بعد عقود من التوترات المتصاعدة بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، لتدخل المنطقة مرحلة جديدة وخطيرة تُنذر بتحولات جذرية في خريطتها السياسية والجغرافية.
إسرائيل وأمريكا بدؤوا هذه الحرب بشكل مباشر يوم الجمعة 2025/6/13 في تصعيد عسكري غير مسبوق بين تل أبيب وطهران، بتنسيق ودعم صريح من واشنطن
وسط صمت دولي مريب، وتواطؤ إقليمي مكشوف
وقد يؤدي ذلك إلى امتداد رقعة الحرب لتشمل عدة دول عربية، وسط حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
وبعد أسبوع من اندلاع الحرب انطلقت ستة قاذفات أمريكية الاستراتيجية B2 من قواعدها في ولاية ميزوري لتنفذ ضربات مركزة على أهداف نووية إيرانية محصنة في الجبال في محاولة لإخضاع وتركيع طهران وكسر إرادتها. 
ضمن استراتيجية “خيار شمشون” التي تلوّح بها إسرائيل منذ عقود: إن سقطنا، فليَسقُط الجميع معنا.
وهنا نحذر من الوقوع في فخ الصور والمعلومات المفبركة، خصوصًا تلك التي تُنتجها تقنيات AI الذكاء الاصطناعي وتُروّجها حملات دعائية تهدف إلى تضليل الرأي العام العالمي 
تمامًا كما حدث في حرب 1967 عندما أدّى الإعلام المضلل إلى نكسة كارثية.
توازيًا، تسعى أطراف إقليمية لتوظيف هذا الصراع بما يخدم مصالحها الخاصة. فبينما تتباين مواقف تركيا جارة ايران الغربية 
تبدي باكستان النووية استعدادها للدعم والدخول في المواجهة
ما يغيّر موازين القوى بشكل غير مسبوق.
فهل تدخل الصين علي الخط وتقوم بغزو جزيرة تايوان وتوحيدها معها 
وتساوم امريكا عليها مقابل سكوتها علي ضرب إيران 
بينما تتخلي روسيا عن حليفتها ايران 
مقابل تسوية حربها مع أوكرانيا 
العدوان الإسرائيلي على إيران يُعيد إلى الأذهان سيناريوهات سابقة من الحروب التي خاضتها إسرائيل في غزة ولبنان وسوريا
إلا أن صواريخ طهران أثبتت قدرتها على إختراق الدفاعات الإسرائيلية رغم كل أنظمتها الأمريكية المتطورة، 
ما دفع بعض القادة الإسرائيليين إلى الاحتماء في الملاجئ والأنفاق.
بالتزامن، يتعاظم الغضب العربي والإسلامي نتيجة الدعم الغربي المطلق لإسرائيل، الذي لم يتوقف حتى في ظل مجازر تُرتكب بحق المدنيين في غزة ولبنان وسوريا واليمن  
وباتت قوة واشنطن " المستعمر الجديد" مجرد ذراع عسكرية لإسرائيل، تُوظف جيوشها وأساطيلها لتحقيق مصالحها التوراتية في المنطقة.
المفارقة أن أمريكا، التي لم تتعلم من دروس هجمات 11 سبتمبر 2001 بسبب تأييدها الأعمي لإسرائيل 
لا تزال بعد ربع قرن تكرر أخطاءها التاريخية، مُضيّعة فرصة حقيقية لتحقيق توازن وسلام عادل في المنطقة بإقامة الدولة الفلسطينية 
أما السفاح نتنياهو، الذي كان يفاخر بخوضه حربًا دموية على سبع جبهات، 
قد ارتطم بجدار حقيقة الواقع حين فاجأته قوة إيران في جبهة واحدة.
إسرائيل كسرت محور المقاومة خلال شهور فقط من حزب الله في لبنان وإسقاط نظام بشار في سوريا 
كشف ظهر إيران وأصبح ضربها وتغيير نظامها مسألة وقت 
هذا الصراع الكارثي يُعيد إلى الواجهة أسئلة كثيرة عن مصير الأنظمة في المنطقة، وعمّا إذا كانت الملكيات التي دعمت أمريكا وإسرائيل ضد الجمهوريات العربية 
هل ستبقى بعيدة عن تداعيات الانفجار الكبير.
الملفت أن العالم لم يكن يعرف هذه الحروب الطاحنة في بلادنا قبل قيام دولة إسرائيل عام 1948، 
التي كانت ومازالت محورًا لكل النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية.
والآن، بعدما أدّت حروب أمريكا وإسرائيل إلى تدمير جمهوريات عربية كبرى (العراق، سوريا، ليبيا، السودان، واليمن يتم إعادة رسم المنطقة كلها من جديد.
وتقوم إسرائيل بوضع سيفها علي رقبة الجميع
يثير موقف بعض الدوائر المسيحية في الغرب، الداعمة للعدوان الإسرائيلي-الأمريكي على إيران، كثيرًا من التساؤلات حول معايير العدالة والمواقف الأخلاقية، خاصة حين يصبح الصمت أو الدعم انتقائيًا، حسب الهوية والمصالح.
ويبقى السؤال الأهم: كيف سيكون موقف هؤلاء إذا وجّه نفس “محور الشر” عدوانه نحو دولٍ عربية أخرى، وعلى رأسها مصر؟ 
ألن يتغير مقياس التضامن حين تصبح الضحية بلدًا يمت لهم بصلة إنسانية وثقافية ودينية؟
إن العلاقات الإنسانية بين أتباع الديانات السماوية الإبراهيمية الثلاث تمر بمرحلة من الخلل التاريخي الرهيب 
ففي الوقت الذي يعترف فيه الإسلام بكل من المسيحية واليهودية كأديان سماوية، يرفض كثير من التيارات الدينية المسيحية واليهودية الاعتراف بالإسلام أو نبيّه محمد  ﷺ
رغم العداوات التاريخية الجذرية التي كانت تجمعهم منذ إضطهادهم للعذراء مريم وابنها عيسي المسيح وخيانتهم له رغم رسالته لهم  بالمحبة والسلام 
والمفارقة أن تحالف بعض القوى الدينية والسياسية الغربية مع إسرائيل، رغم الاختلافات العقائدية، يتمحور في الغالب حول أهداف سياسية لا دينية. وهو ما يثير تساؤلاً: كيف اجتمع من ينكرون بعضهم البعض في الأصل، على عداوة مشتركة للمسلمين؟
ذلك كله يحدث في وقت تتوزع فيه البشرية على ديانتين رئيسيتين، الإسلام والمسيحية، يتجاوز أتباع كلٍ منهما ملياري إنسان، بينما لا يشكّل اليهود أقل من 1% من سكان العالم
ورغم ذلك فإن تأثيرهم السياسي والاقتصادي هائل، لا سيما من خلال التحالفات مع قوى كبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا.
دعمك لإيران بهذه الحرب  لا يعني أنك شيعي، 
لكن دعمك لإسرائيل لا يمكن فصله عن تأييدك للصهيونية، التي لطالما مارست سياسات عدوانية بحق الفلسطينيين والعرب عمومًا.
وفي خضم هذا المشهد المعقد، نستذكر تأثر النبي محمد ﷺ بهزيمة الروم على يد الفرس، كما ورد في سورة الروم، ثم وعد الله للمؤمنين بانتصار الروم لاحقًا. وقد تحقق هذا الوعد خلال “بضع سنين”، وهو ما يحمل دلالة رمزية على أن الموازين تتبدل، وأن الانتصار لا يكون دائمًا لمن يمتلك القوة وحدها.
كما جاء في القرآن الكريم لا

َّ"لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى"
وفيما دعا ليو  بابا الفاتيكان الجديد "الأمريكي الجنسية " إلى التهدئة بعد الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، مؤكدًا أن “الإنسانية تصرخ اليوم وتطلب السلام”، كان الواقع السياسي والعسكري يسير في الاتجاه المعاكس، مع تصعيد خطير تقوده إدارة أمريكية متهورة ورؤية إسرائيلية توسعية.
الحرب الراهنة لا تبدو محدودة النطاق، بل تُنذر بامتداد طويل، يتجاوز استسلام إيران أو انكسارها
فهدف إسرائيل وحلفائها هو إعادة رسم الشرق الأوسط بالكامل، سياسيًا واقتصاديًا، عبر استنزاف موارده وفرض الهيمنة عليه، بما يشبه جمع “الجزية” في مفاهيمها الحديثة.
المال اليهودي، ممثلًا بعائلات مثل روتشيلد، نجح في إخضاع السياسات الغربية لصالح قيام وحماية دولة إسرائيل، في وقت تخلّى فيه العرب عن نفطهم وثرواتهم بدون مقابل لصالحهم وسُيّرت مقدراتهم دون وعي حقيقي بخطورة التحالفات التي ترسم خرائط المنطقة.
وبعد تدمير جمهوريات عربية عديدة، من العراق إلى ليبيا وسوريا واليمن والسودان، تتجه الأنظار إلى مستقبل الملكيات العربية: هل ستبقى حليفة وخاضعة للنفوذ الغربي، أم ستكون هي الأخرى على لائحة التقسيم والاستهداف، إذا ما تغيّرت موازين القوى؟

الولايات المتحدة، بقيادة إدارة ترامب، تسعى لجمع “غنائم الحرب” من حلفائها أنفسهم، من السعودية وقطر والإمارات، إلى أوكرانيا والعراق والكويت، التي دفعت سابقًا ثمن تحريرها. فالسؤال اليوم: من سيكون التالي؟
الحرب بدأت بتحالف أمريكي–إسرائيلي واضح، لكن نهايتها لا تزال غامضة. هل ستسفر عن شرق أوسط جديد تحت الهيمنة المطلقة؟ 
أم ستكون بداية لتغير عالمي يُعيد التوازن إلى خارطة القوة الدولية؟
ختامًا، تتكشف ملامح حرب عالمية ثالثة، قد تغيّر ملامح النظام الدولي. وبين من يرقب الحرب من بُعد، ومن يدفع ثمنها بالدم، يبقى الشعب العربي والجيش المصري تحديدًا، هو الأمل في استعادة التوازن والكرامة، وإعادة كتابة التاريخ من جديد
مصائر الدول لا تدار بالأمنيات الطيبة وبراءة نوايا السذج بل بموازين القوي وهي حالياً لصالح أشرار إسرائيل وغرور قوة أمريكا في حرب نهاية العالم
 

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات