
إستنزاف الموارد .. 2- الإسراف المائي: تحدٍ بيئي يهدد استدامة الحياة .. إعداد دكتورعبدالمنعم صدقي استاذ بمركز البحوث الزراعية ـ مصر
- Europe and Arabs
- الأربعاء , 22 أكتوبر 2025 3:26 ص GMT
يُعدّ الاستخدام غير الرشيد للموارد الحيوية والتقنية أحد أبرز مظاهر الاستنزاف الفردي في العصر الحديث. فبينما كان استنزاف الموارد في الماضي يقتصر على المياه والطاقة والغذاء، اتسع المفهوم اليوم ليشمل موارد رقمية جديدة مثل البيانات والطاقة الرقمية المستهلكة عبر الإنترنت والأجهزة الذكية.
ويمثل هذا الإسراف مزيجًا من العادات اليومية الخاطئة، وضعف الوعي البيئي، وسهولة الوصول إلى الخدمات دون إدراك للتكلفة البيئية غير المرئية التي تترتب على كل استهلاك.
الإسراف في استهلاك المياه
المياه هي أساس الحياة، ولكنها أيضًا من أكثر الموارد المهدَّدة بالاستنزاف نتيجة السلوك البشري غير المنظم. يتمثل الإسراف في المياه في ممارسات بسيطة لكنها متكررة، مثل ترك الصنبور مفتوحًا أثناء غسل الأيدي أو تنظيف الأسنان، أو استخدام كميات مفرطة في الري والغسيل والاستحمام، دون وعي بقيمة كل قطرة.
تشير التقديرات إلى أن استهلاك الفرد العربي للمياه يتراوح بين 250 -350 لترًا يوميًا، أي ما يقرب من ضعف المتوسط العالمي الموصى به لتحقيق الاستدامة (حوالي 130 لترًا يوميًا). ويُلاحظ أن الفاقد المنزلي يشكل نسبة ملحوظة من إجمالي الاستهلاك الوطني للمياه في كثير من الدول.
تشمل الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية للإسراف المائي مجموعة من الآثار العميقة التي تتجاوز حدود الاستخدام الفردي لتنعكس على الأمن المائي والاقتصاد الوطني والاستقرار الاجتماعي. فمن الناحية البيئية يؤدي الإفراط في استهلاك المياه إلى استنزاف الخزانات الجوفية وتراجع منسوبها، مما يخلّ بتوازن النظام المائي ويؤثر في استدامة الموارد العذبة، كما يفضي الضخ الجائر إلى تدهور جودة المياه نتيجة تسرب الملوثات أو تسرب المياه المالحة إلى الطبقات الجوفية. أما من الناحية الاقتصادية، فإن تزايد الطلب على المياه يدفع الحكومات إلى تحمّل تكاليف باهظة في عمليات التحلية والنقل والمعالجة، إضافة إلى الاستثمار المستمر في مشروعات البنية التحتية المائية لتغطية الاحتياجات المتنامية. وعلى الصعيد الاجتماعي، يفاقم سوء توزيع الموارد المائية من الفوارق بين المناطق الحضرية والريفية، حيث تحظى المدن غالبًا بإمدادات أفضل مقارنة بالمناطق الزراعية النائية، مما يخلق شعورًا بعدم العدالة المائية ويزيد من احتمالات النزاعات المحلية والإقليمية حول حق الانتفاع بالمياه، وهو ما يجعل ترشيد استهلاكها ضرورة بيئية واقتصادية واجتماعية في آنٍ واحد.
إنّ الانتقال نحو ترشيد استهلاك المياه يستلزم بناء وعي بيئي مجتمعي جديد يقوم على إدراك قيمة هذا المورد الحيوي وضرورة الحفاظ عليه للأجيال القادمة. ويتحقق ذلك من خلال دمج مفاهيم الترشيد والمسؤولية البيئية في المناهج التعليمية والإعلام، بما يسهم في غرس ثقافة المحافظة على المياه منذ المراحل المبكرة من التنشئة. كما يُعد تبنّي التقنيات الموفّرة للمياه – مثل أنظمة الري بالتنقيط في الزراعة، واستخدام الأدوات المنزلية الموفّرة – خطوة محورية في تقليل الفاقد وتحقيق الكفاءة في الاستخدام. وإلى جانب الجوانب التوعوية والتقنية، فإن إعادة النظر في سياسات تسعير المياه بصورة تدريجية تمثل أداة فعالة لتشجيع المستهلكين على الاستخدام الرشيد، إذ يربط التسعير بين كمية الاستهلاك والتكلفة البيئية الفعلية، مما يعزز من إحساس الفرد بمسؤوليته تجاه الموارد المحدودة ويسهم في تحقيق إدارة مائية مستدامة.
لا يوجد تعليقات