محمد حمدي يكتب : من وحي السفر ...المسافة المتبقية للرحلة

 

 
خريطة صغيرة على شاشة مقعد الطائرة يتفقدها المسافر من وقت لآخر خلال رحلته ليعرف الزمن المتبقي على وصوله لوجهته والوقت الذي قطعه منذ أن أقلعت الطائرة.

من بين رسومات بيانية تنقلك بين مسار الرحلة وتعرفك على موقعك الحالي والمدن القريبة والبعيدة والوقت الحالي في مشارق الأرض ومغاربها، عبارة تقول بكل وضوح: المسافة المتبقية للرحلة.

حياة كل إنسان رحلة.. تبدأ من رحم الإقلاع إلى مهبط النهاية المكتوبة.. قد تكون رحلة سعيدة مريحة لأقصى درجة كأنها درجة أولى في الطائرة تحظى فيها بخصوصية كاملة وخدمة خمس نجوم، وقد تكون محصورا في رحلتك بين ثلاثة مقاعد تتحرك فيها بصعوبة وتحاول أن تكون لطيفا مع رفقاء الرحلة كي تمر بسلام ودون ازعاج لنفسك أولا قبل الآخرين.

منغصات الرحلة الاقتصادية تزداد في المسافات الطويلة لأنك بلا شك وان كنت من جماعة من يكظمون الغيظ لن تقدر على تحمل الجلوس لساعات طويلة دون حركة، أما إن كانت رحلة قصيرة فالأمر هين نوعا ما.

لكن أي رحلة طويلة كانت أو قصيرة تحتاج إلى رفيق يهون صعوباتها ومنغصاتها، واختيار الرفيق في حد ذاته ليس بالأمر الهين، ستكون محظوظا برفيق خفيف الظل والروح، لا ثقيلا يشعرك أنك تطلب الكثير وتعاني كي تفكر أصلا في الطلب.

صحيح أن خيارات الرحلات تكون محدودة لغالبية المسافرين لكنها في النهاية نفس الرحلة للمقتدر الذي حجز مقعدا خاصا والبسيط المحشور بين ثلاثة مقاعد، كلهم سيصلون إلى نفس الوجهة، تماما مثل الحياة، يعيشها الإنسان، الغني والفقير، المحظوظ والمنحوس، الناجح والفاشل، المؤمن والكافر، النشيط والكسول، حياة واحدة في الدنيا الكبيرة.

الفارق أن هذه الحياة تمنح كل هؤلاء فرصا متعددة لتصحيح المسار قبل فوات الأوان، للتسامح بدلا من الكراهية، لتجاوز الماضي والتطلع لما تبقى، الاختيار بين الحرية والكرامة وإن كانت في غربة مؤلمة، والظلم والمهانة وإن كانت في وطن أحب إلى قلبك من أي شيئ آخر.

إنها ورطة الاختيار في المسافة المتبقية من الرحلة. 

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات