إستنزاف الموارد .... 1- الرفاهية الرقمية وتكلفتها البيئية: من الإدمان إلى الإستنزاف ... إعداد دكتور /عبدالمنعم صدقي استاذ بمركز البحوث الزراعية , مصر


رغم أن استخدام الإنترنت يبدو نشاطًا غير مادي، فإنه في الواقع يستند إلى بنية تحتية مادية ضخمة من مراكز بيانات وشبكات اتصال وأجهزة خوادم تعمل على مدار الساعة لتخزين المعلومات ونقلها ومعالجتها. هذه المراكز تستهلك كميات هائلة من الطاقة الكهربائية ليس فقط لتشغيل الخوادم، بل أيضًا لتبريدها والحفاظ على كفاءتها التشغيلية. وتشير التقديرات الحديثة إلى أن القطاع الرقمي يسهم بنحو 4% من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية، وهي نسبة تقارب تلك الصادرة عن قطاع الطيران الدولي بأكمله. ويُتوقع أن تتضاعف هذه النسبة خلال العقد القادم مع ازدياد الاعتماد على التقنيات السحابية، والذكاء الاصطناعي، وبثّ المحتوى المرئي عبر الإنترنت، ما يجعل من الضروري إعادة النظر في أنماط الاستهلاك الرقمي وتبني ممارسات أكثر استدامة في إدارة البيانات واستخدام الإنترنت.
تتخذ أشكال الاستنزاف الرقمي للطاقة مظاهر متعددة ترتبط بأنماط الاستخدام اليومي للتقنيات الحديثة، من أبرزها:
•     المشاهدة المفرطة للفيديوهات والبث المباشر، إذ تُعد هذه الأنشطة من أكثر العمليات الرقمية استهلاكًا للطاقة، نظرًا لاعتمادها على نقل كميات هائلة من البيانات عبر شبكات عالية الكثافة وبسرعات مرتفعة، ما يتطلب تشغيل خوادم قوية ومراكز بيانات ضخمة على مدار الساعة.
•     التخزين السحابي غير الضروري، حيث يحتفظ المستخدمون بملفات وصور وفيديوهات ضخمة على الإنترنت دون حاجة فعلية، مما يزيد من الطلب المستمر على مساحات تخزين رقمية جديدة، ويضاعف من استهلاك الكهرباء اللازمة لتبريد وتشغيل مراكز البيانات.
•     الإدمان على الأجهزة الذكية، وهو أحد السلوكيات الحديثة التي تُسهم في استنزاف الطاقة بشكل مباشر وغير مباشر، سواء من خلال الشحن المستمر للأجهزة أو استبدالها المتكرر بما يولده ذلك من نفايات إلكترونية وتكاليف بيئية عالية مرتبطة بعمليات التصنيع والتخلص من المكونات غير القابلة للتحلل.
إن هذه المظاهر مجتمعة تؤكد أن الاستنزاف الرقمي للموارد لم يعد قضية تقنية فحسب، بل أصبح تحديًا بيئيًا واقتصاديًا واجتماعيًا يتطلب وعيًا وسلوكًا مسؤولًا لدى الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
يُعد ترشيد الاستخدام الرقمي خطوة أساسية نحو تحقيق الاستدامة في العصر التكنولوجي، إذ يسهم في الحد من الانبعاثات الكربونية وتقليل الضغط على الموارد الطبيعية. ومن أبرز ممارسات هذا الترشيد تبنّي مفهوم "الصوم الرقمي"، الذي يقوم على تقليل الوقت المهدور في التصفح غير الضروري واستخدام الإنترنت بشكل أكثر إنتاجية ووعيًا. كما يمكن تعزيز الاستدامة الرقمية من خلال الاعتماد على حلول التخزين المحلية بدلاً من التخزين السحابي كلما أمكن، مما يقلل من الطلب على مراكز البيانات كثيفة الاستهلاك للطاقة. إضافةً إلى ذلك، يُوصى بـ اختيار الأجهزة الإلكترونية ذات الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة، والحرص على إطالة عمرها الافتراضي عبر الصيانة الدورية بدلاً من التبديل المتكرر الذي يزيد من النفايات الإلكترونية ويستهلك موارد تصنيع جديدة. إن ترسيخ ثقافة الترشيد الرقمي بين الأفراد والمؤسسات يمثل أحد مفاتيح التحول نحو اقتصاد رقمي مستدام يوازن بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على البيئة.
 

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات