حين نسافر بالغذاء... نسافر بالماء ... إعداد : د/ عبدالمنعم صدقى أستاذ بمركز البحوث الزراعية ـ مصر

 

عندما نتحدث عن المياه يخطر ببالنا غالبًا مياه الشرب أو مياه الري التي نشاهدها تتدفق في الحقول والأنهار. لكن هناك نوع آخر من المياه لا نراه بالعين المجردة وهو ما يُعرف بـ المياه الافتراضية وهي أي كمية المياه التي استُخدمت في إنتاج السلع التي نستهلكها يوميًا. هذه المياه داخل القهوة  والخبز الذي نأكله واللحوم التي تصل إلى موائدنا بل وحتى في الملابس التي نرتديها.
فنجان واحد من القهوة يحتاج إلى نحو 140 لترًا من المياه بدءًا من زراعة البن وحتى وصوله إلى الكوب. رغيف الخبز الذي يبدو بسيطًا استهلك مئات اللترات من المياه في مراحل الزراعة والطحن والعجن والخبز. أما إنتاج كيلوجرام واحد من لحم الأبقار فيتطلب ما يقارب 16 ألف لتر من المياه. وهذا يعني أن الدول حين تُصدِّر منتجات زراعية أو حيوانية فهي في الواقع تُصدِّر المياه التي استُهلكت في إنتاجها والعكس صحيح إذ تستورد الدول مياهًا مخزنة داخل السلع عندما تستورد غذاءً أو منتجات من الخارج.
جانب خفي من التجارة العالمية حيث تُنقل كميات هائلة من المياه من دولة لآخري دون أن نراها. ولهذا ظهر مصطلح تجارة المياه الافتراضية والذي يساعد الدول الفقيرة مائيًا على مواجهة ندرتها من خلال استيراد السلع كثيفة الاستهلاك للمياه بدلًا من إنتاجها محليًا. بهذه الطريقة توفر الدولة مواردها المائية الشحيحة وتوجهها لأغراض أكثر أولوية مثل مياه الشرب أو الزراعة الأقل استهلاكًا للمياه.
أمثلة من الدول العربية
•    مصر: تواجه مصر تحديات مائية كبرى نتيجة اعتمادها شبه الكامل على مياه نهر النيل المحدودة ومع ارتفاع عدد السكان تجاوزت احتياجاتها المائية المتاحة. لذلك تلجأ إلى استيراد كميات ضخمة من القمح – وهو محصول شديد الاستهلاك للمياه – بدلًا من إنتاج كل الكميات المطلوبة محليًا. وبهذا فهي تستورد ملايين الأمتار المكعبة من المياه الافتراضية مع وارداتها من الحبوب.
•    الأردن: من أكثر دول العالم فقرًا مائيًا حيث تقل حصة الفرد عن الحد الأدنى العالمي بكثير. لذلك يعتمد الأردن على استيراد اللحوم والحبوب والزيوت وهو ما يخفف الضغط عن موارده المائية المحدودة جدًا. في الوقت نفسه يشجع على زراعة محاصيل أقل استهلاكًا للمياه مثل الشعير وبعض الخضراوات.
•    السعودية: كانت في الماضي تنتج القمح محليًا بكميات ضخمة رغم مناخها الصحراوي ما استنزف المياه الجوفية غير المتجددة. لذلك اتجهت مؤخرًا لوقف هذا التوجه وأصبحت تعتمد على استيراد القمح وغيره من السلع كثيفة الاستهلاك للمياه حفاظًا على مخزونها الجوفي. وهذا التحول يعد مثالًا واضحًا على الاستفادة من تجارة المياه الافتراضية.
•    المغرب: رغم أنه يتمتع بمصادر مائية أفضل نسبيًا إلا أن صادراته الزراعية الواسعة خاصة الطماطم والحمضيات تمثل تصديرًا كامنًا للمياه الافتراضية. وهذا يطرح تحديًا حول التوازن بين المكاسب الاقتصادية من التصدير وضمان استدامة الموارد المائية.
البصمة المائية ونمط الغذاء
إن استهلاك الأفراد أنفسهم له أثر مباشر. فالنظام الغذائي الغني باللحوم يتطلب كميات هائلة من المياه مقارنة بالنظام النباتي. وتشير الدراسات إلى أن استبدال نصف استهلاك المنتجات الحيوانية بمنتجات نباتية مثل البقوليات والبطاطا يمكن أن يقلل البصمة المائية الغذائية بنسبة تصل إلى 30٪. وهذا يعني أن اختياراتنا الغذائية اليومية قادرة على تخفيف الضغط المائي على دولنا.
إن إدراكنا لهذه الحقائق يغير نظرتنا إلى الماء ويجعلنا نُدرك أن كل وجبة نأكلها وكل منتج نستهلكه يحمل وراءه قصة طويلة من استهلاك المياه. نحن في الحقيقة لا نصدر ولا نستورد طعامًا فقط بل نصدر ونستورد مياهًا تختفي خلف كل منتج يصل إلى موائدنا .الوعي بهذا البعد الخفي يمنح الدول والمجتمعات فرصة أكبر لحماية مواردها المائية ورسم سياسات أكثر استدامة تحقق الأمن المائي والغذائي للأجيال القادمة.
 

مشاركة الخبر

الأخبار المتعلقة

تعليقات

لا يوجد تعليقات